﴿ قَالُواْ ﴾ استئناف بياني، والمقصود منه حكاية قولهم : كيف يقولون وكيف يعترفون ﴿ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ أي بإتيان الرسل وقصهم وإنذارهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب، وقوله سبحانه :﴿ وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا ﴾ مع ما عطف عليه اعتراض لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكاب القبائح التي ارتكبوها وألجاهم في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذاب وذم لهم بذلك وتسفيه لرأيهم فلا تكرار في الشهادتين أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئة واللذات الخسيسة الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسل عليهم السلام واجترأوا على ارتكاب ما يجرهم إلى العذاب المؤبد الذي أنذروهم إياه ﴿ وَشَهِدُواْ ﴾ في الآخرة ﴿ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ في الدنيا ﴿ كَافرينَ ﴾ بالآيات والنذر واضطروا إلى الاستسلام لأشد العذاب، وفي ذلك من تحسرهم وتحذير السامعين عن مثل صنيعهم ما لا مزيد عليه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي﴾
هذا من جملة المقاولة الّتي تجري يوم الحشر، وفصلت الجملة لأنَّها في مقام تعداد جرائمهم التي استحقّوا بها الخلود، إبطالاً لمعذرتهم، وإعلاناً بأنَّهم محقوقون بما جُزوا به، فأعاد نداءهم كما ينادَى المندّد عليه الموبَّخ فيزداد روْعاً.