والهمزة في ﴿ ألم يأتيكم ﴾ للاستفهام التّقريري، وإنَّما جعل السؤال عن نفي إتيان الرّسل إليهم لأنّ المقرّر إذا كان حاله في ملابسة المقرّر عليه حالَ من يُظنّ به أن يجيب بالنَّفي، يؤتى بتقريره داخلاً على نفي الأمر الّذي المراد إقراره بإثباته، حتّى إذا أقرّ بإثباته كان إقراره أقطع لعُذره في المؤاخذة به، كما يقال للجاني : ألَسْت الفاعل كذا وكذا، وألست القائل كذا، وقد يسلك ذلك في مقام اختبار مقدار تمكّن المسؤول المقرّر من اليقين في المقرّر عليه، فيؤتى بالاستفهام داخلاً على نفي الشّيء المقرّر عليه، حتىّ إذا كانت له شبهة فيه ارتبك وتلعثم.
ومنه قوله تعالى :﴿ وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ]، ولمّا كان حال هؤلاء الجنّ والإنس في التمرّد على الله، ونبذ العمل الصّالح ظهرياً، والإعراض عن الإيمان، حالَ من لم يطرق سمعه أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، جيء في تقريرهم على بعثَة الرّسل إليهم بصيغة الاستفهام عن نفي مجيء الرّسل إليهم، حتّى إذا لم يجدوا لإنكار مجيء الرّسل مساغاً، واعترفوا بمجيئهم، كان ذلك أحرى لأخذهم بالعقاب.
والرّسل : ظاهره أنّه جمع رسول بالمعنى المشهور في اصطلاح الشّرع، أي مرسل من الله إلى العباد بما يرشدهم إلى ما يجب عليهم : من اعتقاد وعمل، ويجوز أن يكون جمع رسول بالمعنى اللّغوي وهو من أرسله غيره كقوله تعالى :﴿ إذْ جاءها المرسلون ﴾ [ يس : ١٣ ] وهم رسل الحواريين بعد عيسى.