وطرق بلوغ الدّعوة عديدة، ولم يثبت في القرآن ولا في صحيح الآثار أنّ النّبيء محمّداً ﷺ ولا غيرَه من الرّسل، بُعث إلى الجنّ لانتفاء الحكمة من ذلك، ولعدم المناسبة بين الجنسين، وتعذّر تخالطهما، وعن الكلبي أنّ محمّداً ﷺ بعث إلى الإنس والجنّ، وقاله ابن حزم، واختاره أبو عُمر ابن عبد البرّ، وحكَى الاتِّفاق عليه : فيكون من خصائص النّبيء محمّد ﷺ تشريفاً لقدره.
والخوض في هذا ينبغي للعالم أن يربأ بنفسه عنه لأنَّه خوض في أحوال عالَم لا يدخل تحت مُدْرَكاتنا، فإنّ الله أنبأنا بأنّ العوالم كلّها خاضعة لسلطانه.
حقيق عليها طاعته، إذا كانت مدركة صالحة للتكليف.
والمقصود من الآية الّتي نتكلّم عليها إعلامُ المشركين بأنَّهم مأمورون بالتّوحيد والإسلام وأنّ أولياءهم من شياطين الإنس والجن غير مفلتين من المؤاخذة على نبذ الإسلام.
بلْهَ أتْباعهم ودهمائهم.
فذكر الجنّ مع الإنس في قوله :﴿ يا معشر الجن والإنس ﴾ يوم القيامة لتبكيت المشركين وتحْسيرهم على ما فرط منهم في الدّنيا من عبادة الجنّ أو الالتجاءِ إليهم، على حدّ قوله تعالى :﴿ ويوم يحشرهم وما يَعبدون من دون الله فيقول أنتم أضللتم عبادي هؤلاء ﴾ [ الفرقان : ١٧ ] وقوله :﴿ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أنتَ قلتَ للنّاس اتَّخذوني وأمِّي إلهين من دون الله ﴾[ المائدة : ١١٦ ].
والقَصّ كالقَصَص : الإخبار، ومنه القصّة للخبر، والمعنى : يخبرونكم الأخْبار الدالّة على وحدانيّة الله وأمره ونهيه ووعده ووعيده، فسمّى ذلك قَصَّاً ؛ لأنّ أكثره أخبار عن صفات الله تعالى وعن الرّسل وأممهم وما حلّ بهم وعن الجزاء بالنّعيم أو العذاب.
فالمراد من الآيات آيات القرآن والأقوالُ الّتي تتلى فيفهمها الجنّ بإلهام، كما تقدّم آنفاً، ويفهمها الإنس ممّن يعرف العربيّة مباشرة ومن لا يعرف العربيّة بالتّرجمة.


الصفحة التالية
Icon