والإنذار : الإخبار بما يُخِيف ويُكره، وهو ضدّ البشارة، وتقدّم عند قوله تعالى :﴿ إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ﴾ في سورة البقرة ( ١١٩ )، وهو يتعدّى إلى مفعول بنفسه وهو الملقى إليه الخبر، ويتعدّى إلى الشّيء المخبر عنه : بالباء، وبنفسه، يقال : أنذرته بكذا وأنذرته كَذا، قال تعالى :﴿ فأنذرتكم ناراً تلظّى ﴾ [ الليل : ١٤ ]، ﴿ فقُل أنذرتكم صاعقة ﴾ [ فصلت : ١٣ ]، ﴿ وتُنْذِرَ يومَ الجمع ﴾ [ الشورى : ٧ ] ولمّا كان اللّقاء يوم الحشر يتضمّن خيراً لأهل الخير وشرّا لأهل الشرّ، وكان هؤلاء المخاطبون قد تمحّضوا للشرّ، جُعل إخبار الرّسل إيَّاهم بلقاء ذلك اليوم إنذاراً لأنَّه الطَّرف الّذي تحقّق فيهم من جملة إخبار الرّسل إيَّاهم ما في ذلك اليوم وشرّه.
ووصف اليوم باسم الإشارة في قوله :﴿ يومكم هذا ﴾ لتهويل أمر ذلك بما يشاهد فيه، بحيث لا تحيط العبارة بوصفه، فيعدل عنها إلى الإشارة كقوله :﴿ هذه النّار التي كنتم بها تكذّبون ﴾ [ الطور : ١٤ ].
ومعنى قولهم :﴿ شهدنا على أنفسنا ﴾ الإقرارُ بما تضمّنه الاستفهام من إتيان الرّسل إليهم، وذلك دليل على أن دخول حرف النّفي في جملة الاستفهام ليس المقصود منه إلاّ قطع المعذرة وأنّه أمر لا يسع المسؤولَ نفيُه، فلذلك أجملوا الجواب :﴿ قالوا شهدنا على أنفسنا ﴾، أي أقررنا بإتيان الرّسل إلينا.
واستعملت الشّهادة في معنى الإقرار لأنّ أصل الشّهادة الإخبار عن أمر تحقّقه المخبر وبيَّنه، ومنه :﴿ شهد الله أنَّه لا إله إلا هو والملائكةُ وأولوا العلم قائماً بالقسط ﴾ [ آل عمران : ١٨ ].
وشهد عليه، أخبر عنه خبرَ المتثبت المتحقّق، فلذلك قالوا :﴿ شهدنا على أنفسنا ﴾ أي أقررنا بإتيان الرّسل إلينا.
ولا تنافي بين هذا الإقرار وبين إنكارهم الشّرك في قوله :﴿ إلاّ أن قالوا والله ربّنا ما كنّا مشركين ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] لاختلاف المخبر عنه في الآيتين.


الصفحة التالية
Icon