وقال أبو السعود :
﴿ ذلك ﴾ إشارةٌ إلى ما ذُكر من شهادتهم على أنفسهم بالكفر واستيجابِ العذابِ والخطابُ للرسول ﷺ بطريق التلوين، وهو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى :﴿ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى ﴾ بحذف اللام على أنّ ( أن ) مصدرية أو مخففة من أنّ وضمير الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ وقوله تعالى :﴿ بِظُلْمٍ ﴾ متعلقٌ إما بمهلك أي بسبب ظلمٍ أو بمحذوف وقع حالاً من القُرى أي ملتبسةً بظلم فإن ملابسةَ أهلِها للظلم ملابسةٌ للقرية له بواسطتهم، أوما كونُه حالاً من ربك أو من ضميره في مُهلكَ كما قيل فيأباه أن غفلةَ أهلِها مأخوذةٌ في معنى الظلمِ وحقيقتِه لا محالة، فلا يحسُن تقييدُه بقوله تعالى :﴿ وَأَهْلُهَا غافلون ﴾ والمعنى ذلك ثابتٌ لانتفاء كونِ ربِّك أو لأن الشأنَ لم يكن ربُّك مُهلكَ القرى بسبب أي ظلم فعلوه من أفراد الظلمِ قبل أن يُنْهَوْا عنه ويُنَبَّهوا على بُطلانه برسول وكتابٍ وإن قضَى به بديهةُ العقولِ، ويُنذَروا عاقبةَ جناياتِهم أي لولا انتفاءُ كونِه تعالى معذباً لهم قبل إرسالِ الرسلِ وإنزالِ الكتبِ لَما أمكن التوبيخُ بما ذُكر ولَما شهِدوا على أنفسهم بالكفر واستيجابِ العذاب، ولا اعتذروا بعدم إتيانِ الرسل كما في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءاياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى ﴾ وإنما عُلّل ما ذُكر بانتفاء التعذيبِ الدنيويِّ الذي هو إهلاكُ القرى قبل الإنذارِ مع أن التقريبَ في تعليله بانتفاء مطلقِ التعذيب من غير بعث الرسلِ أتمُّ على ما نطق به قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ لبيان كمالِ نزاهتِه سبحانه وتعالى عن كلا التعذيبين الدنيوي والأخروي معاً من غير إنذارٍ على أبلغ وجهٍ وآكدِه حيث اقتُصِر على نفي التعذيبِ الدنيوي عنه تعالى ليثبُتَ نفيُ


الصفحة التالية
Icon