الطَّرِيقُ السَّادِسُ - أَنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِخُلُودِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْمَعَادَ وَثَوَابَ النُّفُوسِ الْمُطِيعَةِ وَعُقُوبَةَ النُّفُوسِ الْفَاجِرَةِ هَلْ هُوَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَوْ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالسَّمْعِ ؟ فِيهِ طَرِيقَتَانِ لِنُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ مَعَ السَّمْعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَإِنْكَارِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَعَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَ خَلْقَهُ عَبَثًا وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ لَا يُرْجَعُونَ، وَأَنَّهُ يَتْرُكُهُمْ سُدًى أَيْ لَا يُثِيبُهُمْ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي حِكْمَتِهِ وَكَمَالِهِ وَأَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَرُبَّمَا قَرَّرُوهُ بِأَنَّ النُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَاعْتِقَادَاتِهَا وَصِفَاتِهَا لَازِمَةٌ لَهَا لَا تُفَارِقُهَا، وَإِنْ نَدِمَتْ عَلَيْهَا لَمَّا رَأَتِ الْعَذَابَ فَلَمْ تَنْدَمْ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا أَوْ كَرَاهَةِ رَبِّهَا لَهَا، بَلْ لَوْ فَارَقَهَا الْعَذَابُ رَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا، قَالَ تَعَالَى :(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (٢٧، ٢٨) فَهَؤُلَاءِ قَدْ ذَاقُوا الْعَذَابَ وَبَاشَرُوهُ وَلَمْ يَزَلْ سَبَبُهُ وَمُقْتَضِيهِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، بَلْ خُبْثُهَا قَائِمٌ بِهَا