الْوَجْهُ الرَّابِعُ - أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا آخَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالنَّارِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ :" وَأَمَّا النَّارُ فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا خَلْقًا آخَرِينَ " فَغَلَطٌ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ انْقَلَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَإِنَّمَا هُوَ مَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ نَفْسِهِ " وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا خَلْقًا آخَرِينَ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - مُبَيِّنًا أَنَّ الْحَدِيثَ انْقَلَبَ لَفْظُهُ عَلَى مَنْ رَوَاهُ بِخِلَافِ هَذَا وَهَذَا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا تُقَاسُ النَّارُ بِالْجَنَّةِ فِي التَّأْبِيدِ مَعَ هَذِهِ الْفُرُوقِ.
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ مُوجِبِ رَحْمَتِهِ وَرِضَاهُ، وَالنَّارَ مِنْ غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ، وَرَحْمَتُهُ سُبْحَانَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ وَتَسْبِقُهُ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :" لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي " وَإِذَا كَانَ رِضَاهُ قَدْ سَبَقَ غَضَبَهُ وَهُوَ يَغْلِبُهُ كَانَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ مُوجِبِ رِضَاهُ وَمَا مِنْ مُوجِبِ غَضَبِهِ مُمْتَنِعًا.


الصفحة التالية
Icon