وَالْمُجْرِمِينَ، فَهِيَ طُهْرَةٌ مِنَ الْخُبْثِ الَّذِي اكْتَسَبَتْهُ النَّفْسُ فِي هَذَا الْعَالَمِ، فَإِنْ تَطَهَّرَتْ هَاهُنَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالْحَسَنَةِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى تَطْهِيرٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ لَهَا مَعَ جُمْلَةِ الطَّيِّبِينَ :(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (٣٩ : ٧٣) وَإِنْ لَمْ تَتَطَهَّرْ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَوَافَتِ الدَّارَ الْأُخْرَى بِدَرَنِهَا وَنَجَاسَتِهَا وَخَبَثِهَا أُدْخِلَتِ النَّارَ طُهْرَةً لَهَا، وَيَكُونُ مُكْثُهَا فِي النَّارِ بِحَسَبِ زَوَالِ ذَلِكَ الدَّرَنِ وَالْخُبْثِ وَالنَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يَغْسِلُهَا الْمَاءُ، فَإِذَا تَطَهَّرَتِ الطُّهْرَ التَّامَّ أُخْرِجَتْ مِنَ النَّارِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ، وَهِيَ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، فَلَوْ خُلُّوا وَفِطَرَهُمْ لَمَا نَشَئُوا إِلَّا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَلَكِنْ عُرِضَ لِأَكْثَرِ الْفِطَرِ مَا غَيَّرَهَا ; وَلِهَذَا كَانَ نَصِيبُ النَّارِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ هَذَا التَّغْيِيرُ مَرَاتِبَ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ، فَأَرْسَلَ اللهُ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ يُذَكِّرُ عِبَادَهُ بِفِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا، فَعَرَفَ الْمُوَفَّقُونَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى صِحَّةَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ بِالْفِطْرَةِ الْأُولَى، فَتَوَافَقَ عِنْدَهُمْ شَرْعُ اللهِ وَدِينُهُ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ وَفِطْرَتُهُ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا، فَمَنَعَتْهُمُ الشِّرْعَةُ الْمُنَزَّلَةُ وَالْفِطْرَةُ الْمُكَمَّلَةُ أَنْ تَكْتَسِبَ نُفُوسُهُمْ خَبَثًا وَنَجَاسَةً وَدَرَنًا