فإن قلت ظاهر الآية يدل على أمر الكفار بالإقامة على ما هم عليه من الكفر وذلك لا يجوز.
قلت : معنى هذا الأمر الوعيد والتهديد والمبالغة في الزجر عما هم عليه من الكفر فكأنه قال أقيموا على ما أنتم عليه من الكفر إن رضيتم لأنفسكم بالعذاب الدائم فهو كقوله تعالى :﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ ففيه تفويض أمر العمل إليهم على سبيل الزجر والتهديد وليس فيه إطلاق لهم في عمل ما أرادوه من الكفر والمعاصي.
وقوله تعالى :﴿ فسوف تعلمون ﴾ يعني لمن العاقبة المحمودة لنا أو لكم.
وقيل معناه فسوف تعلمون عند نزول العذاب بكم أينا كان على الحق في عمله نحن أم أنتم ﴿ من تكون له عاقبة الدار ﴾ يعني فسوف تعلمون غداً القيامة لمن تكون عاقبة الدار وهي الجنة ﴿ إنه لا يفلح الظالمون ﴾ قال ابن عباس : معناه أنه لا يسعد من كفر بي وأشرك.
ثم في هذه الآية قولان :
أحدهما : أنهما محكمة وهذا على قول من يقول إن المراد بقوله اعملوا على مكانتكم الوعيد التهديد.
والقول الثاني : أنها منسوخة بآية السيف وهذا على قول من يقول إن المراد بها ترك القتال. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون ﴾
قرأ أبو بكر على مكاناتكم على الجمع حيث وقع فمن جمع قابل جمع المخاطبين بالجمع ومن أفرد فعلى الجنس والمكانة، مصدر مكن فالميم أصلية وبمعنى المكان ويقال : المكان والمكانة مفعل ومفعلة من الكون فالميم زائدة فيحتمل أن يكون المعنى على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، قال معناه الزجاج، ويحتمل أن يكون المعنى على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، يقال : على مكانتك يا فلان إذا أمرته أن يثبت على حاله أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه.
وقال ابن عباس : على ناحيتكم والمعنى ما تنحون أي ما تقصدون من صالح وطالح.
وقال ابن زيد : على حالكم.
وقال يمان : على مذاهبكم.