والثاني : هب أن ذلك الرحيم أعطى الطعام والثوب والذهب، ولكن لا صحة للمزاج والتمكن من الانتفاع بتلك الأشياء، وإلا فكيف الانتفاع ؟ فالذي أعطى صحة المزاج والقدرة والمكنة هو الرحيم في الحقيقة.
والثالث : أن كل من أعطى غيره شيئاً فهو إنما يعطي لطلب عوض، وهو إما الثناء في الدنيا، أو الثواب في الآخرة، أو دفع الرقة الجنسية عن القلب، وهو تعالى يعطي لا لغرض أصلاً، فكان تعالى هو الرحيم الكريم فثبت بهذه البراهين اليقينية القطعية صحة قوله سبحانه وتعالى :﴿وَرَبُّكَ الغنى ذُو الرحمة﴾ بمعنى أنه لا غني ولا رحيم إلا هو.
فإذا ثبت أنه غني عن الكل.
ثبت أنه لا يستكمل بطاعات المطيعين ولا ينتقص بمعاصي المذنبين وإذا ثبت أنه ذو الرحمة ثبت أنه ما رتب العذاب على الذنوب، ولا الثواب على الطاعات، إلا لأجل الرحمة والفضل والكرم والجود والإحسان، كما قال في آية أخرى :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [ الإسراء : ٧ ] فهذا البيان الإجمالي كاف في هذا الباب.
وأما تفصيل تلك الحالة وشرحها على البيان التام، فمما لا يليق بهذا الموضع. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٦٣ ـ ١٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon