ولذلك ذيّلها بقوله :﴿ إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ٩٩ ]، وعطف عليها قوله :﴿ وجعلوا لله شركاء الجنّ ﴾ [ الأنعام : ١٠٠ ] الآيات.
والمقصود من هذه : الامتنانُ وإبطالُ ما ينافي الامتنان ولذلك ذيّلت هذه بقوله :﴿ كلوا من ثمره إذا أثمر ﴾.
والكلام موجّه إلى المؤمنين والمشركين، لأنَّه اعتبار وامتنان، وللمؤمنين الحظّ العظيم من ذلك، ولذلك أعقب بالأمر بأداء حق الله في ذلك بقوله :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ إذ لا يصلح ذلك الخطاب للمشركين.
وتعريف المسند يفيد الاختصاص، أي هو الّذي أنشأ لا غيره، والمقصود من هذا الحصرِ إبطالُ أن يكون لغيره حظّ فيها، لإبطال ما جعلوه من الحرث والأنعام من نصيب أنصامهم مع أنّ الله أنشأه.
والإنشاءُ : الإيجاد والخلق، قال تعالى :﴿ إنَّا أنشأناهنّ إنشاءً ﴾ [ الواقعة : ٣٥ ] أي نساء الجنّة.
والجنّات هي المكان من الأرض النّابت فيه شجر كثير بحيث يَجِنّ أي يَستر الكائن فيه، وقد تقدّم عند قوله :﴿ كمثل جنّة برُبْوة ﴾ في سورة البقرة ( ٢٦٥ ).
وإنشاؤها إنباتها وتيسير ذلك بإعطائها ما يعينها على النماء، ودفععِ ما يفسدها أو يقطع نبتها، كقوله :﴿ أنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون ﴾ [ الواقعة : ٦٤ ].
والمعروشات : المرفوعات.
يقال : عرش الكرمة إذا رفعها على أعمدة ليكون نماؤها في ارتفاع لا على وجه الأرض، لأنّ ذلك أجود لعنبها إذ لم يكن ملقى على وجه الأرض.
وعَرش فعل مشتقّ من العَرْش وهو السقف، ويقال للأعمدة التي تُرفع فوقها أغصان الشّجر فتصير كالسّقف يَستظلّ تحته الجالسُ : العَريشُ.
ومنه ما يذكر في السيرة : العريش الّذي جُعل للنّبيء ﷺ يومَ بدر، وهو الّذي بني على بقعته مسجد بعد ذلك هو اليوم موجود ببدر.
ووصف الجنّات بمعروشات مجاز عقلي، وإنَّما هي معروش فيها، والمعروش أشجارها.


الصفحة التالية
Icon