غُيّر أسلوبُ الحكاية عن أحوال المشركين فأُقبل على خطاب المؤمنين بهذه المنّة وهذا الحكم ؛ فهذه الجمل معترضة وهي تعريض بتسفيه أحلام المشركين لتحريمهم على أنفسهم ما مَنّ الله به عليهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾

فصل


قال الفخر :
فيه مباحث.
البحث الأول : إنه تعالى لما ذكر كيفية خلقه لهذه الأشياء ذكر ما هو المقصود الأصلي من خلقها، وهو انتفاع المكلفين بها، فقال :﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ واختلفوا ما الفائدة منه ؟ فقال بعضهم : الإباحة.
وقال آخرون : بل المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق، لأنه تعالى لما أوجب الحق فيه، كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله لمكان شركة المساكين فيه، بل هذا هو الظاهر فأباح تعالى هذا الأكل، وأخرج وجوب الحق فيه من أن يكون مانعاً من هذا التصرف.
وقال بعضهم : بل أباح تعالى ذلك ليبين أن المقصد بخلق هذه النعم إما الأكل وإما التصدق، وإنما قدم ذكر الأكل على التصدق، لأن رعاية النفس مقدمة على رعاية الغير.
قال تعالى :﴿وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ﴾ [ القصص : ٧٧ ].
البحث الثاني : تمسك بعضهم بقوله :﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ بأن الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق، لأن قوله :﴿كُلُواْ﴾ خطاب عام يتناول الكل، فصار هذا جارياً مجرى قوله تعالى :﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً﴾ [ البقرة : ٢٩ ] وأيضاً يمكن التمسك به على أن الأصل عدم وجوب الصدقة، وأن من ادعى إيجابه كان هو المحتاج إلى الدليل، فيتمسك به في أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، لا يلزمه قضاء ما مضى، وفي أن الشارع في صوم النفل لا يجب عليه الإتمام.


الصفحة التالية
Icon