وقال أبو السعود :
﴿ ثمانية أزواج ﴾ الزوجُ ما معه آخَرُ من جنسه يُزاوجُه ويحصُل منهما النسلُ والمرادُ بها الأنواعُ الأربعةُ، وإيرادُها بهذا العنوان وهذا العددِ تمهيدٌ لما سيق له الكلامُ من الإنكار المتعلّقِ بتحريم كلِّ واحدٍ من الذكر والأنثى وبما في بطنها، وهو بدلٌ من حَمولةً وفرشاً منصوبٌ بما نَصَبهما، وجعلُه مفعولاً لكلوا على أن قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ﴾ الآية، معترِضٌ بينهما، أو حالٌ مِنْ ما بمعنى مختلفةً أو متعددةً يأباه جزالةُ النظمِ الكريم لظهور أنه مَسوقٌ لتوضيح حالِ الأنعام بتفصيلها أولاً إلى حمولةٍ وفرْشٍ ثم بتفصيلها إلى ثمانية أزواجٍ حاصلةٍ من تفصيل الأولى إلى الإبل والبقر وتفصيلِ الثاني إلى الضأن والمَعَز ثم تفصيلِ كلَ من الأقسام الأربعة إلى الذكر والأنثى كلُّ ذلك لتحرير الموادِّ التي تقوّلوا فيها عليه سبحانه وتعالى.
﴿ مّنَ الضأن اثنين ﴾ بدلٌ من ثمانيةَ أزواج منصوبٌ بناصبه وهو العاملُ في مِنْ، أي أنشأ من الضأن زوجين الكبشَ والنعجة وقرىء اثنان على الابتداء، والضأنُ اسمُ جنس كالإبل وجمعُه ضَئين كأمير أو جمعُ ضائن كتاجر وتجْرٍ وقرىء بفتح الهمزة ﴿ وَمِنَ المعز اثنين ﴾ عطفٌ على مثله شريكْ له في حكمه أي وأنشأ من المعز زوجين التيسَ والعنز وقرىء بفتح العين وهو جمعُ ماعز كصاحب وصحْب وحارس وحرَس، وقرىء ومن المِعْزى، وهذه الأزواجُ الأربعةُ تفصيلٌ للفَرْش ولعل تقديمَها في التفصيل مع تأخر أصلِها في الإجمال لكون هذين النوعين عرضةً للأكل الذي هو معظمُ ما يتعلق به الحِلُّ والحُرمة، وهو السرُّ في الاقتصار على الأمر به في قوله تعالى :﴿ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله ﴾ من غير تعرضٍ للانتفاع بالحمل والركوب وغيرِ ذلك مما حرموه في السائبة وأخواتِها.