وقال الآلوسى :
ونقل الإمام عن المفسرين أنهم قالوا :"إن المشركين من أهل الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام فاحتج الله سبحانه على إبطال ذلك بأن للضأن والمعز والإبل والبقر ذكراً وأنثى فإن كان قد حرم سبحانه منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها حراماً، وإن كان حرم جل شأنه الأنثى وجب أن يكون كل إناثها حراماً.
وإن كان حرم الله تعالى شأنه ما اشتملت عليه أرحام الإناث وجب تحريم الأولاد كلها لأن الأرحام تشتمل على الذكور والإناث.
وتعقبه بأنه بعيد جداً لأن لقائل أن يقول : هب أن هذه الأجناس الأربعة محصورة في الذكور والإناث إلا أنه لا يجب أن تكون علة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذكورة والأنوثة بل علة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو غير ذلك من الاعتبارات كما إذا قلنا : إنه تعالى حرم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل فإذا قيل : إن ذلك الحيوان إن كان قد حرم لكونه ذكراً وجب أن يحرم كل حيوان ذكر، وإن كان قد حرم لكونه أنثى وجب أن يحرم كل حيوان أنثى.
ولما لم يكن هذا الكلام لازماً علينا فكذا هذا الوجه الذي ذكره المفسرون"، ثم ذكر في الآية وجهين من عنده وفيما ذكرنا غني عن نقلهما.
ومن الناس من زعم أن المراد من الاثنين في الضأن والمعز والبقر الأهلي والوحشي وفي الإبل العربي والبُخْتي وهو مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وما روي عن ليث بن سليم لا يدل عليه، وقول الطبرسي :"إنه المروى عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه" كذب لا أصل له وهو شنشنة أعرفها من أخزم.
وقوله سبحانه :﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء ﴾ تكرير للإفحام والتبكيت، و( أم ) منقطعة، والمراد بل أكنتم حاضرين مشاهدين ﴿ إِذْ وصاكم الله ﴾ أي أمركم وألزمكم ﴿ بهذا ﴾ التحريم إذ العلم بذلك إما بأن يبعث سبحانه رسولاً يخبركم به وإما بأن تشاهدوا الله تعالى وتسمعوا كلامه جل شأنه فيه.