والأول مناف لما أنتم عليه لأنكم لا تؤمنون برسول فيتعين المشاهدة والسماع بالنسبة إليكم وذلك محال ففي هذا ما لا يخفى من التهكم بهم.
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا ﴾ فنسب إليه سبحانه تحريم ما لم يحرم، والمراد به على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عمرو بن لحي بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب وتعمد الكذب على الله تعالى، وقيل : كبراؤهم المقررون لذلك، وقيل : الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه سبحانه وتعالى، والمراد فأي فريق أظلم ممن الخ، واعترض بأن قيد التعمد معتبر في معنى الافتراء.
ومن تابع عمراً من الكبراء يحتمل أنه أخطأ في تقليده فلا يكون متعمداً للكذب فلا ينبغي تفسير الموصول به، والفاء لترتيب ما بعدها على ما سبق من تبكيتهم وإظهار كذبهم وافترائهم، ونصب ﴿ كَذِبًا ﴾ قيل على المفعولية، وقيل : على المصدرية من غير لفظ الفعل، وجعله حالاً أي كاذباً جوزه بعض كمل المتأخرين وهو بعيد لا خطأ خلافاً لمن زعمه.
﴿ لِيُضِلَّ الناس ﴾ متعلق بالافتراء ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ متعلق بمحذوف وقع حالاً من ضمير ( افترى ) أي افترى عليه سبحانه جاهلاً بصدور التحريم عنه جل شأنه، وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفتري عالم بعدم الصدور إيذاناً بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات فإن من افترى عليه سبحانه بغير علم بصدور ذلك عنه جل جلاله مع احتمال صدوره إذا كان في تلك الغاية من الظلم فما الظن بمن افترى وهو يعلم عدم الصدور.
وجوز كونه حالاً من فاعل ( يضل ( على معنى متلبساً بغير علم بما يؤدي به إليه من العذاب العظيم.
وقيل : معنى الآية عليه أنه عمل عمل القاصد إضلال الناس من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال وكان جاهلاً بذلك غير عالم به، وهو ظاهر في أن اللام للعاقبة وله وجه.
وجوز أن يكون الجار متعلقاً بمحذوف وقع حالاً من ﴿ الناس ﴾ وما تقدم أظهر وأبلغ في الذم.


الصفحة التالية
Icon