وقوله :﴿ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾ يجوز أن يكون تعليلاً لكونهم من أظلم النّاس، لأنّ معنى الزّيادة في الظلم لا يتحقّق إلاّ إذا كان ظلمهم لا إقلاع عنه، لأنّ الضّلال يزداد رسوخاً في النّفس بتكررّ أحواله ومظاهره، لأنَّهم لمّا تعمّدوا الإضلال أو اتَّبعوا متعمّديه عن تصلّب، فهم بمعزل عن تطلب الهدى وإعادة النّظر في حال أنفسهم، وذلك يغريهم بالازدياد والتملّي من تلك الأحوال، حتّى تصير فيهم ملكة وسجيّة، فيتعذّر إقلاعهم عنها، فعلى هذا تكون ﴿ إنّ ﴾ مفيدة معنى التّعليل.
ويجوز أن تكون الجملة تهديداً ووعيداً لهم، إن لم يقلعوا عمّا هم فيه، بأنّ الله يحرمهم التّوفيق ويذرهم في غيّهم وعمههم، فالله هَدى كثيراً من المشركين هم الّذين لم يكونوا بهذه المثابة في الشّرك، أي لم يكونوا قادة ولا متصلّبين في شركهم، والّذين كانوا بهذه المثابة هم الّذين حرمهم الله الهدى، مثل صناديد قريش أصحاب القليب يوم بدر، فأمّا الّذين اتَّبعوا الإسلام بالقتال مثل معظم أهل مكّة يوم الفتح، وكذلك هوازن ومَن بعدها، فهؤلاء أسلموا مذعنين ثمّ علموا أنّ آلهتهم لم تغن عنهم شيئاً فحصل لهم الهدى بعد ذلك، وكانوا من خيرة المسلمين ونصروا الله حقّ نصره.
فالمراد من نفي الهدى عنهم : إمَّا نفيه عن فريق من المشركين، وهم الّذين ماتُوا على الشّرك، وإمَّا نفي الهدى المحض الدالّ على صفاء النّفس ونور القلب، دون الهدى الحاصل بعد الدّخول في الإسلام، فذلك هدى في الدرجة الثّانية كما قال تعالى :﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتَل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى ﴾ [ الحديد : ١٠ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon