أجابوا عنه من وجوه : أحدها : أن المعنى لا أجد محرماً مما كان أهل الجاهلية يحرمه من البحائر والسوائب وغيرها إلا ما ذكر في هذه الآية، وثانيها : أن المراد أن وقت نزول هذه الآية لم يكن تحريم غير ما نص عليه في هذه الآية ثم وجدت محرمات أخرى بعد ذلك.
وثالثها : هب أن اللفظ عام إلا أن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد جائز فنحن نخصص هذا العموم بأخبار الآحاد.
ورابعها : أن مقتضى هذه الآية أن نقول إنه لا يجد في القرآن، ويجوز أن يحرم الله تعالى ما سوى هذه الأربعة على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام.
ولقائل أن يقول : هذه الأجوبة ضعيفة.
أما الجواب الأول : فضعيف لوجوه :
أحدها : لا يجوز أن يكون المراد من قوله :﴿قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا﴾ ما كان يحرمه أهل الجاهلية من السوائب والبحائر وغيرها إذ لو كان المراد ذلك لما كانت الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح على النصب داخلة تحته، ولو لم تكن هذه الأشياء داخلة تحت قوله :﴿قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا﴾ لما حسن استثناؤها، ولما رأينا أن هذه الأشياء مستثناة عن تلك الكلمة، علمنا أنه ليس المراد من تلك الكلمة ما ذكروه.
وثانيها : أنه تعالى حكم بفساد قولهم في تحريم تلك الأشياء، ثم إنه تعالى في هذه الآية خصص المحرمات في هذه الأربعة وتحليل تلك الأشياء التي حرمها أهل الجاهلية لا يمنع من تحليل غيرها، فوجب إبقاء هذه الآية على عمومها لأن تخصيصها يوجب ترك العمل بعمومها من غير دليل، وثالثها : أنه تعالى قال في سورة البقرة :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾ [ البقرة : ١٧٣ ] وذكر هذه الأشياء الأربعة، وكلمة ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر وهذه الآية في سورة البقرة غير مسبوقة بحكاية أقوال أهل الجاهلية في تحريم البحائر والسوائب فسقط هذا العذر.
وأما جوابهم الثاني : وهو أن المراد أن وقت نزول هذه الآية لم يكن محرماً إلا هذه الأربعة.


الصفحة التالية