و ﴿ هلمّ ﴾ اسم فعللِ أمْرٍ للحُضور أو الإحضار، فهي تكون قاصرة كقوله تعالى :﴿ هلمّ إلينا ﴾ [ الأحزاب : ١٨ ] ومتعدية كما هنا، وهو في لغة أهل الحجاز يلزم حالة واحدة فلا تلحقه علامات مناسبة للمخاطب، فتقول : هلمّ يا زيدُ، وهلمّ يا هندُ، وهكذا، وفي لغة أهل العالية أعني بني تميم تلحقه علامات مناسبة، يقولون : هَلُمّي يا هند، وهلُمَّا، وهلُمّوا، وهلْمُمْنَ، وقد جاءَ في هذه الآية على الأفصح فقال :﴿ هلم شهداءكم ﴾.
والشّهداء : جمع شهيد بمعنى شاهد، والأمر للتّعجيز إذ لا يَلقون شهداء يشهدون أنّ الله حرّم ما نسبوا إليه تحريمه من شؤون دينهم المتقدّم ذكرها.
وأضيف الشّهداء إلى ضمير المخاطبين لزيادة تعجيزهم، لأنّ شأن المحقّ أن يكون له شهداء يعلمهم فيحضرهم إذا دُعي إلى إحقاق حقّه، كما يقال للرّجل : اركَب فرسك والْحَقْ فلاناً، لأنّ كلّ ذي بيت في العرب لا يَعدِم أن يكون له فرس، فيقول ذلك له من لا يعلم له فرساً خاصاً ولكن الشأن أن يكون له فرس ومنه قوله تعالى :﴿ يدنين عليهن من جلابيبهن ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ] وقد لا يكون لإحداهن جلباب كما ورد في الحديث أنَّه سئل : إذا لم يكن لإحدانا جلباب، قال : لتُلْبِسْها أخْتُها من جلبابها.
ووصفُهم بالموصول لزيادة تقرير معنى إعداد أمثالهم للشّهادة، فالطّالب ينزّل نفسه منزلة من يظنّهم لا يخلُون عن شهداء بحقِّهم من شأنهم أن يشهدوا لهم وذلك تمهيد لتعجيزهم البين إذا لم يحضروهم، كما هو الموثوق به منهم ألا ترى قوله :﴿ أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا ﴾ [ الأنعام : ١٤٤ ] فهو يعلم أن ليس ثمة شهداء.
وإشارة ﴿ هذا ﴾ تشير إلى معلوم من السّياق، وهو ما كان الكلام عليه من أوّل الجدال من قوله :﴿ ثمانية أزواج ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ] الآيات، وقد سبقت الإشارة إليه أيضاً بقوله :﴿ أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا ﴾ [ الأنعام : ١٤٤ ].