أحدهما : ما قال الحسن والأصمّ -إن المشيئة ههنا الرضا -فمرادهم : أنّ الله رضي بفعلنا وصنيعنا - حيث فعل آباؤنا ما فعلنا - فلم يَحُل الله بينهم وبين ذلك، ولا أخذ على أيديهم، ولا منعهم عن ذلك ؛ فلو لم يرض بذلك عنهم لكان يمنعهم عنه !
قال أبو منصور : وإنما استدلوا بالرضا من الله والإذن فيما كانوا فيه، أنهم كانوا يخوفون بالهلاك والعذاب على صنيعهم، ثم رأوا آباءهم ماتوا على ذلك ولم يأتهم العذاب، فاستدلوا بتأخير نزول العذاب عليهم على أنّ الله رضي بذلك.
وبالجملة، أرادوا بقولهم ذلك. أنهم على الحق المشروع المرضي عند الله. ولما كانت حجتهم داحضة باطلة -لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمّر عليهم وأدال عليهم رسله الكرام - قال تعالى :﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ أي : بأن الله راض عليكم فيما أنتم فيه ! وهذا من التَهكّمِ والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة.
وفي " الوجيز " : الحاصل أن المشركين اعتقدوا عدم التفرقة بين المأمور المرضيّ والمشيئة، كما اعتقدت المعتزلة، فاحتجوا على حقيّة الإشراك. وينادي على ذلك قوله :﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ ﴾ فإنه لو كان المراد أنّ ذلك ليس بمشيئة الله تعالى لقال ( كَذَلكَ كَذَبَ ) بالتخفيف لا التشديد. وهذه الآية - عند من له أذن واعية -تصيح على المعتزلة بالويل والثبور، لكن في آذانهم وقر، ومن لم يهده الله فلا هادي له. انتهى.
الوجه الثاني : إن المشيئة في الآية بمعنى الأمر والدعاء إلى ذلك. أي : يقولون : إن الله أمرهم بذلك ودعاهم إليه، كما أخبر عنهم في سورة الأعراف بقوله :﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾ فردّ تعالى عليهم بقوله :﴿ قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ﴾.


الصفحة التالية
Icon