وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ بتخفيف الذال والباقون بالتشديد في كل القرآن وهما بمعنى واحد.
وختمت الآية الأولى بقوله سبحانه :﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ] وهذه بقوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ لأن القوم كانوا مستمرين على الشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس المحرمة بغير حق غير مستنكفين ولا عاقلين قبحها فنهاهم سبحانه لعلهم يعقلون قبحها فيستنكفوا عنها ويتركوها.
وأما حفظ أموال اليتامى عليهم وإيفاء الكيل والعدل في القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه ويفتخرون بالاتصاف به فأمرهم الله تعالى بذلك لعلهم يذكرون إن عرض لهم نسيان ؛ قاله القطب الرازي، ثم قال فإن قلت إحسان الوالدين من قبيل الثاني أيضاً فكيف ذكر من الأول؟ قلت : أعظم النعم على الإنسان نعمة الله تعالى ويتلوها نعمة الوالدين لأنهما المؤثران في الظاهر ومنهما نعمة التربية والحفظ عن الهلاك في وقت الصغر فلما نهى عن الكفر بالله تعالى نهى بعده عن الكفران في نعمة الأبوين تنبيهاً على أن القوم لما لم يرتكبوا الكفران فبطريق الأولى أن لا يرتكبوا الكفر.
وقال الإمام : السبب في ختم كل آية بما ختمت "أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى ( أمور ) ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها والتكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال وهو التذكر" انتهى.
ويمكن أن يقال : إن أكثر التكليفات الأول أُدِّي بصيغة النهي وهو في معنى المنع والمرء حريص على ما منع فناسب أن يعلل الإيصاء بذلك بما فيه إيماء إلى معنى المنع والحبس وهذا بخلاف التكليفات الأُخر فإن أكثرها قد أُدِّي بصيغة الأمر وليس المنع فيه ظاهراً كما في النهي فيكون تأكيد الطلب والمبالغة فيه ليستمر عليه ويتذكر إذا نسي فليتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon