وقال القاسمى :
قوله تعالى :﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ ﴾ أي : بوجه من الوجوه :﴿ إِلَّا بِالَّتِي ﴾ أي : بالخصلة التي :﴿ هِيَ أَحْسَنُ ﴾ يعني أنفع له. كتثميره أو حفظه أو أخذه قرضاً. لا بأكله، وإنفاقه في مآربكم وإتلافه، فإنه أفحش. وقد ذكرنا طرفاً فيما رخص فيه لوليّ اليتيم أو وصيه في قوله تعالى في سورة النساء :﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [ النساء : ٦ ] وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال : لما أنزل الله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ﴾ الآية، و :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ﴾ [ النساء ١٠ ] الآية، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله، أو يفسد. فاشتد ذلك عليهم. فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله :﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [ البقرة ٢٢٠ ] فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه. قيل : إنما خص تعالى مال اليتيم بالذكر، لكونه لا يدفع عن نفسه ولا عن ماله هو ولا غيره. فكانت الأطماع في ماله أشد. فعزم في النهي عنه لأنه حماه ومقدمته، وأمر بتنميته ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ أي : قوته التي يقر بها على حفظه واستنمائه، وهذا غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهي، كأنه قيل : احفظوه حتى يصير بالغاً رشيداً. فحينئذ سلموه إليه كما في قوله تعالى :﴿ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾. والأشد جمع ( شدة ) كنعمةً وأنعم، أو شَدّ ككلب وأكلب، أو شد كصِرّ وآصُر. وقيل هو مفرد كآنك :﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ أي : بالعدل والتسوية في الأخذ والإعطاء. وقد توعد تعالى على تركه في قوله :{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon