والسُبُل : الطّرق، ووقوعها هنا في مقابلة الصّراط المستقيم يدلّ على صفة محذوفة، أي السّبل المتفرّقة غير المستقيمة، وهي التي يسمّونها : بُنيات الطّريق، وهي طرق تتشعّب من السبيل الجادّة ذاهبة، يسلكها بعض المارّه فرادى إلى بيوتهم أو مراعيهم فلا تبلغ إلى بلد ولا إلى حَيّ، ولا يستطيع السّيرَ فيها إلاّ مَن عَقَلها واعتادها، فلذلك سبب عن النّهي قوله :﴿ فتفرق بكم عن سبيله ﴾، أي فإنَّها طرق متفرّقة فهي تجعل سالكها متفرّقاً عن السّبيل الجادّة، وليس ذلك لأنّ السّبيل اسم للطّريق الضيقة غير الموصّلة، فإنّ السّبيل يرادف الصّراط ألا ترى إلى قوله :﴿ قل هذه سبيلي ﴾ [ يوسف : ١٠٨ ]، بل لأنّ المقابلة والإخبار عنها بالتَّفرق دلّ على أنّ المراد سبُل خاصّة موصوفة بغير الاستقامة.
والباء في قوله :﴿ بكم ﴾ للمصاحبة : أي فتتفرّق السّبل مصاحبة لكم، أي تتفرّقون مع تفرّقها، وهذه المصاحبة المجازية تجعل الباء بمنزلة همزة التّعدية كما قاله النّحاة، في نحو : ذَهَبْتُ بزيد، أنَّه بمعنى أذهبته، فيكون المعنى فتُفَرّقَكُم عن سبيله، أي لا تلاقون سبيلَه.
والضّمير المضاف إليه في :﴿ سبيله ﴾ يعود إلى الله تعالى بقرينة المقام، فإذا كان ضمير المتكلّم في قوله :﴿ صراطي ﴾ عائداً لله كان في ضمير ﴿ سبيله ﴾ التفاتاً عن سبيلي.
روى النّسائي في "سننه"، وأحمد، والدارمي في "مسنديهما"، والحاكم في "المستدرك"، عن عبد الله بن مسعود، قال : خطّ لنا رسول الله ﷺ يوماً خطّاً ثمّ قال: " هذا سبيل الله، ثم خطّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله ( أي عن يمين الخطّ المخطوط أوّلاً وعن شماله ) ثمّ قال :"هذه سُبُل على كلّ سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها " ثمّ قرأ :﴿ وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتَّبعوا السّبل فتَتَفَرّق بكم عن سبيله ﴾.