ولما كان قتلهم أفحش الفواحش بعد الشرك، أتبعه النهي عن مطلق الفواحش، وهي ما غلظت قباحته، وعظم أمرها بالنهي عن القربان فضلاً عن الغشيان فقال :﴿ولا تقربوا الفواحش﴾ ثم أبدل منها تأكيداً للتعميم قوله :﴿ما ظهر منها﴾ أي الفواحش ﴿وما بطن﴾ ثم صرح منها بمطلق القتل تعظيماً له بالتخصيص بعد التعميم فقال :﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله﴾ أي الملك الأعلى عليكم قتلها ﴿إلا بالحق﴾ أي الكامل، ولا يكون كاملاً إلا وهو كالشمس وضوحاً لا شبهة فيه، فصار قتل الولد منهياً عنه ثلاث مرات ؛ ثم أكد المذكور بقوله :﴿ذلكم﴾ أي الأمر العظيم في هذه المذكورات.
ولما كانت هذه الأشياء شديدة على النفس، ختمها بما لا يقوله إلا المحب الشفوق ليتقبلها القلب فقال :﴿وصّاكم به﴾ أمراً ونهياً ؛ ولما كانت هذه الأشياء لعظيم خطرها وجلالة وقعها في النفوس لا تحتاج إلى مزيد فكر قال :﴿لعلكم تعقلون﴾ أي لتكونوا على رجاء من المشي على منهاج العقلاء، فعلم من ذكر الوصية أن هذه المذكورات هي الموصى بها والمحرمات أضدادها، فصار شأنها مؤكداً من وجهين : التصريح بالتوصية بها، والنهي عن أضدادها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٤٠ ـ ٧٤٢﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين فساد ما يقول الكفار أن الله حرم علينا كذا وكذا، أردفه تعالى ببيان الأشياء التي حرمها عليهم، وهي الأشياء المذكورة في هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٨٩﴾
اللغَة :﴿ أَتْلُ ﴾ أقرأ وأقص ﴿ إمْلاَقٍ ﴾ فقر يقال أملق الرجل إِذا افتقر ﴿ أَشُدَّهُ ﴾ قوته وهو بلوغ سن النكاح والرشد، والأشدُّ جمعٌ لا واحد له ﴿ بالقسط ﴾ بالعدل بلا بخس ولا نقصان ﴿ السبل ﴾ جمع سبيل وهي الطريق ﴿ شِيَعاً ﴾ فرقاً وأحزاباً جمع شيعة وهي الفرقة تتشيع وتتعصب لمذهبها ﴿ قِيَماً ﴾ مستقيماً لا عوج فيه ﴿ نُسُكِي ﴾ النُّسُك جمع نسيكة وهي الذبيحة وقال الزجاج : عبادتي ومنه الناسك الذي يتقرب إِلى الله بالعبادة. أ هـ ﴿صفوة التفاسير حـ ١ صـ ٤٢٨﴾