فصل


قال الفخر :
قال صاحب "الكشاف" :"تعال" من الخاص الذي صار عاماً، وأصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه، ثم كثر وعم، وما في قوله :﴿مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ منصوب، وفي ناصبه وجهان : الأول : أنه منصوب بقوله :﴿اتل﴾ والتقدير : أتل الذي حرمه عليكم، والثاني : أنه منصوب بحرم، والتقدير : أتل الأشياء التي حرم عليكم.
فإن قيل : قوله :﴿ألاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إحسانا﴾ كالتفصيل لما أجمله في قوله :﴿مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ وهذا باطل، لأن ترك الشرك والإحسان بالوالدين واجب، لا محرم.
والجواب من وجوه :
الأول : أن المراد من التحريم أن يجعل له حريماً معيناً، وذلك بأن بينه بياناً مضبوطاً معيناً، فقوله :﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ معناه : أتل عليكم ما بينه بياناً شافياً بحيث يجعل له حريماً معيناً، وعلى هذا التقرير فالسؤال زائل، والثاني : أن الكلام تم وانقطع عند قوله ﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ ثم ابتدأ فقال :﴿عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ﴾ كما يقال : عليكم السلام، أو أن الكلام تم وانقطع عند قوله :﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ ثم ابتدأ فقال :﴿أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً﴾ بمعنى لئلا تشركوا، والتقدير : أتل ما حرم ربكم عليكم لئلا تشركوا به شيئاً.
الثالث : أن تكون "أن" في قوله :﴿أَن لا تُشْرِكُواْ﴾ مفسرة بمعنى : أي، وتقدير الآية : أتل ما حرم ربكم عليكم، أي لا تشركوا، أي ذلك التحريم هو قوله :﴿لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ﴾.
فإن قيل : فقوله :﴿وبالوالدين إحسانا﴾ معطوف على قوله :﴿أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً﴾ فوجب أن يكون قوله :﴿وبالوالدين إحسانا﴾ مفسراً لقوله :﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ فيلزم أن يكون الإحسان بالوالدين حراماً، وهو باطل.
قلنا : لما أوجب الإحسان إليهما، فقد حرم الإساءة إليهما. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٨٩ ـ ١٩٠﴾

فصل


قال الفخر :
إنه تعالى أوجب في هذه الآية أمور خمسة : أولها : قوله :﴿أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ﴾.


الصفحة التالية
Icon