فإن قيل : إيفاء الكيل والميزان، هو عين القسط، فما الفائدة في هذا التكرير ؟
قلنا : أمر الله المعطي بإيفاء ذي الحق حقه من غير نقصاه، وأمر صاحب الحق بأخذ حقه من غير طلب الزيادة.
واعلم أنه لما كان يجوز أن يتوهم الإنسان أنه يجب على التحقيق وذلك صعب شديد في العدل أتبعه الله تعالى بما يزيل هذا التشديد فقال :﴿لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ أي الواجب في إيفاء الكيل والوزن هذا القدر الممكن في إيفاء الكيل والوزن.
أما التحقيق فغير واجب.
قال القاضي : إذا كان تعالى قد خفف على المكلف هذا التخفيف مع أن ما هو التضييق مقدور له، فكيف يتوهم أنه تعالى يكلف الكافر الإيمان مع أنه لا قدرة له عليه ؟ بل قالوا : يخلق الكفر فيه، ويريده منه، ويحكم به عليه، ويخلق فيه القدرة الموجبة لذلك الكفر، والداعية الموجبة له، ثم ينهاه عنه فهو تعالى لما لم يجوز ذلك القدر من التشديد والتضييق على العبد، وهو إيفاء الكيل والوزن على سبيل التحقيق، فكيف يجوز أن يضيف على العبد مثل هذا التضييق والتشديد ؟
واعلم أنا نعارض القاضي وشيوخه في هذا الموضع بمسألة العلم ومسألة الداعي، وحينئذ ينقطع ولا يبقى لهذا الكلام رواء ولا رونق.