ولا أظن بالذين حكينا عنهم الأقوال التي قبله فسروا هذه الآية بما ذُكر عنهم، وإنما أظن أن الذين جمعوا التفاسير، نقلوا هذه الأقوال من تفسير قوله تعالى :﴿ ولما بلغ أشده ﴾ [ يوسف : ٢٢والقصص : ١٤ ] إلى هذا المكان، وذلك نهاية الأشُدِّ، وهذا ابتداء تمامه ؛ وليس هذا مثل ذاك.
قال ابن جرير : وفي الكلام محذوف ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حُذف، لأن المعنى : حتى يبلغ أشده ؛ فإذا بلغ اشده، فآنستم منه رشداً، فادفعوا إليه ماله.
قال المصنف : إن أراد بما ظهر ما ظهر في هذه الآية، فليس بصحيح ؛ وإنما استفيد إيناس الرشد والإسلام من آية أخرى ؛ وإنما أُطلق في هذه الآية ما قُيِّد في غيرها، فحُمل المطلق على المقيد.
قوله تعالى :﴿ وأوفوا الكيل ﴾ أي : أتموه ولا تنقصوا منه.
و﴿ الميزان ﴾ أي : وَزْنَ الميزان.
والقسط : العدل.
﴿ لا نكلِّف نفساً إلا وسعها ﴾ أي : مايسعها، ولا تضيق عنه.
قال القاضي أبو يعلى : لما كان الكيل والوزن يتعذر فيهما التحديد بأقل القليل، كُلّفنا الاجتهاد في التحري، دون تحقيق الكيل والوزن.
قوله تعالى :﴿ وإذا قلتم فاعدلوا ﴾ أي : إذا تكلمتم أو شهدتم فقولوا الحق، ولو كان المشهود له أو عليه ذا قرابة.
وعَهْد الله يشتمل على ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به، وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره.
﴿ ذلكم وصَّاكم به لعلكم تذكرون ﴾ أي : لتذَّكَّروه وتأخذوا به.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو :﴿ تذّكّرون ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] و﴿ يذّكّرون ﴾ [ الانعام : ١٢٦ ] و﴿ يذّكّر الإنسان ﴾ [ مريم : ٦٧ ] و﴿ أن يذّكّر ﴾ [ الفرقان : ٦٢ ] و﴿ ليذّكّروا ﴾ [ الإسراء : ٤١ ] مشدّداً ذلك كلُّه.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، وابن عامر كل ذلك بالتشديد إلا قوله :﴿ أوَلا يذَّكَّر الإنسانُ ﴾ [ مريم : ٦٧ ] فانهم خففوه.
روى أبان، وحفص عن عاصم :"يذكرون" خفيفة الذال في جميع القرآن.


الصفحة التالية
Icon