قال ابن العربيّ : وعجباً من أبي حنيفة، فإنه يرى أن المقدرات لا تثبت قياساً ولا نظراً وإنما تثبت نقلاً، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة، ولكنه سكن دار الضَّرْب فكثر عنده المُدَلَّسْ، ولو سكن المعدن كما قيض الله لمالك لما صدر عنه إلا إبريز الدِّين.
وقد قيل : إن انتهاء الكهولة فيها مُجْتَمع الأشُدّ ؛ كما قال سُحيم بن وَثيل :
أخُو خمسين مُجْتَمِعٌ أشُدِّي...
ونَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤونِ
يروي "نجدني" بالدال والذال.
والأشُدّ واحد لا جمع له ؛ بمنزلة الآنُك وهو الرَّصاص.
وقد قيل : واحده شدّ ؛ كفَلْس وأفْلُس.
وأصله من شدّ النهار أي ارتفع ؛ يقال : أتيته شدّ النهار ومدَّ النهار.
وكان محمد بن محمد الضَّبيّ ينشدُ بيت عنترة :
عَهْدِي به شدّ النهار كأنما...
خُضِبَ اللبَّانُ ورأسُه بالعَظْلِمِ
وقال آخر :
تُطيف به شَدّ النهار ظَعينةٌ...
طويلةُ أنقاء اليدَيْن سَحُوق
وكان سيبويه يقول : واحده شِدّة.
قال الجوهري : وهو حَسَن في المعنى ؛ لأنه يقال : بلغ الغلام شدّته.
ولكن لا تجمع فِعْلة على أفْعُل، وأما أنْعُم فإنما هو جمع نُعْم ؛ من قولهم : يوم بُؤس ويوم نُعْم.
وأما قول من قال : واحده شَدّ ؛ مثلُ كَلْب وأكلب، وشِدّ مثل ذئب وأذؤب فإنما هو قياس.
كما يقولون في واحد الأبابيل : إبَّوْل، قياساً على عِجَّوْل، وليس هو شيئاً سُمع من العرب.
قال أبو زيد : أصابتني شدى على فعلى ؛ أي شِدّة.
وأشد الرجل إذا كانت معه دابة شديدة.
الثانية عشرة قوله تعالى :﴿ وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط ﴾ أي بالاعتدال في الأخذ والعطاء عند البيع والشراء.
والقسط : العدل.
﴿ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ أي طاقتها في ايفاء الكيل والوزن وهذا يقتضي أن هذه الأوامر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرّر.