ولما خفف عنه ﷺ بتبرئته منهم، أسند إلى نفسه المقدس ما يحق له في إحاطة علمه وقدرته، فقال جواباً لمن يقول : فإلى من يكون أمرهم؟ :﴿إنما أمرهم﴾ أي في ذلك كله وفي كل ما يتعلق بهم مما لا يحصره حد ولا يحصيه عد ﴿إلى الله﴾ أي الملك الذي لا أمر لأحد معه غيره، فمن شاء هداه ومن شاء أعماه، ومن شاء أهلكه ومن شاء أبقاه لأن له كمال العظمة.
ولما كان الحشر متراخياً عن ذلك كله في الرتبة وفي الزمان، لا تبلغ كنه عظمته العقول، نبه على ذلك بالتعبير بأداة التراخي والتنبيه بقوله :﴿ثم﴾ بعد استيفاء ما ضرب لهم من الآجال ﴿ينبئهم﴾ أي تنبئة عظيمة جليلة مستقصاة بعد أن يحشرهم إليه داخرين ﴿بما كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿يفعلون﴾ أي من تلك الأشياء القبيحة التي كان لهم إليها أتم داعية غير متوقفين في إصدارها على علم مع ادعاء التدين بها، والآية - مع ما تقدم من مقتضياتها - تعليل لقوله ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٥٠ ـ ٧٥١﴾

فصل


قال الفخر :
قرأ حمزة والكسائي ﴿فارقوا﴾ بالألف والباقون ﴿فَرَّقُواْ﴾ ومعنى القراءتين عند التحقيق واحد لأن الذي فرق دينه بمعنى أنه أقر ببعض وأنكر بعضاً، فقد فارقه في الحقيقة، وفي الآية أقوال :
القول الأول : المراد سائر الملل.
قال ابن عباس : يريد المشركين بعضهم يعبدون الملائكة ويزعمون أنهم بنات الله، وبعضهم يعبدون الأصنام، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فهذا معنى فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، أي فرقاً وأحزاباً في الضلالة.
وقال مجاهد وقتادة : هم اليهود والنصارى، وذلك لأن النصارى تفرقوا فرقاً، وكفر بعضهم بعضاً، وكذلك اليهود، وهم أهل كتاب واحد، واليهود تكفر النصارى.


الصفحة التالية
Icon