ومن قرأ :"فارقوا" أراد : باينوا.
وفي المشار إليهم أربعة أقوال.
أحدها : أنهم أهل الضلالة من هذه الأمة، قاله أبو هريرة.
والثاني : أنهم اليهود والنصارى، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والسدي.
والثالث : اليهود، قاله مجاهد.
والرابع : جميع المشركين، قاله الحسن.
فعلى هذا القول، دينهم : الكفر الذي يعتقدونه ديناً، وعلى ما قبله، دينهم : الذي أمرهم الله به.
والشِّيَع : الفرق والأحزاب.
قال الزجاج : ومعنى "شيّعتُ" في اللغة : اتبعت.
والعرب تقول : شاعكم السلام، وأشاعكم، أي : تبعكم.
قال الشاعر :
ألا يا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ...
بَرُوْدِ الظِّلِّ شَاعَكُم السَّلاَمُ
وتقول : أتيتك غداً، أو شِيَعة، أي : أو اليوم الذي يتبعه.
فمعنى الشيعة : الذين يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين.
وفي قوله تعالى :﴿ لست منهم في شيء ﴾ قولان.
أحدهما : لست من قتالهم في شيء، ثم نسخ بآية السيف، وهذا مذهب السدي.
والثاني : لست منهم، أي : أنت بريء منهم، وهم منك بُرَءاء، إنما أمرهم إلى الله في جزائهم، فتكون الآية محكمة. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ ﴾
قرأه حمزة والكِسائي فارقوا بالألف، وهي قراءة عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه ؛ من المفارقة والفراق.
على معنى أنهم تركوا دينهم وخرجوا عنه.
وكان عليّ يقول : واللَّهِ ما فرّقوه ولكن فارقوه.
وقرأ الباقون بالتشديد ؛ إلاَّ النَّخَعِيّ فإنه قرأ "فَرَقوا" مُخَفَّفاً ؛ أي آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
والمراد اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسُّدِّي والضّحاك.
وقد وصفُوا بالتفرق ؛ قال الله تعالى :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينة ﴾ [ البينة : ٤ ].
وقال :﴿ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ ﴾ [ النساء : ١٥٠ ].


الصفحة التالية
Icon