وقال الآلوسى :
﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾ علة لمقدر دل عليه ﴿ أنزلناه ﴾ [ الأنعام : ١٥٥ ] المذكور وهو العامل فيه لا المذكور خلافاً للكسائي لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وهو بتقدير لا عند الكوفيين أي لأن لا تقولوا وعلى حذف المضاف عند البصريين أي كراهة أن تقولوا.
وقيل : يحتمل أن يكون مفعول ﴿ اتقوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٥ ] وعليه الفراء، وأن تجعل اللام المقدرة للعاقبة أي ترتب على إنزالنا أحد القولين ترتب الغاية على الفعل فيكون توبيخاً لهم على بعدهم عن السعادة، والمتبادر ما ذكر أولاً أي أن تقولوا يوم القيامة لو لم ننزله.
﴿ إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب ﴾ الناطق بالأحكام القاطع للحجة ﴿ على طَائِفَتَيْنِ ﴾ جماعتين كائنتين ﴿ مِن قَبْلِنَا ﴾ وهما كما قال ابن عباس وغيره اليهود والنصارى، وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا فيما بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام.
﴿ وَإِن كُنَّا ﴾ إن هي المخففة من إن واللام الآتية فارقة بينها وبين النافية وهي مهملة لما حققه النحاة من أن أن المخففة إذا لزمت اللام في أحد جزأيها ووليها الناسخ فهي مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر، لا ثابت ولا محذوف أي وإنه كنا.
﴿ عَن دِرَاسَتِهِمْ ﴾ أي قراءتهم ﴿ لغافلين ﴾ غير ملتفتين لا ندري ما هي لأنها ليست بلغتنا فلم يمكنا أن نتلقى منها في ما فيه نجاتنا ولعلهم عنوا بذلك التوحيد، وقيل : تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى :﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ] الخ لأنها عامة لجميع بني آدم لا تختلف في عصر من الأعصار.
وعلى هذا حمل الآية شيخ الإسلام ثم قال :"وبهذا تبين أن معذرتهم هذه مع أنهم غير مأمورين بما في الكتابين لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتناولة لكافة الأمم كما أن قطع تلك المعذرة بإنزال القرآن لاشتماله أيضاً عليها لا على سائر الشرائع والأحكام فقط. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ أن تقولوا ﴾ في موضع التّعليل لفعل ﴿ أنزلناه ﴾ على تقدير لام التّعليل محذوفة على ما هو معروف من حذفها مع ( أنْ ).
والتّقدير : لأن تقولوا، أي لقولكم ذلك في المستقبل، أي لملاحظة قولكم وتَوقُّع وقوعه، فالقول باعث على إنزال الكتاب.


الصفحة التالية
Icon