﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجيءَ القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجبٌ لغاية أظلمية مَنْ يكذّبه، أي وإذا كان الأمرُ كذلك فمن أظلم ﴿ مِمَّن كَذَّبَ بآيات الله ﴾ وُضع الموصولُ موضعَ ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصاً على اتصافهم بما في حيز الصلةِ وإشعاراً بعلة الحُكم وإسقاطاً لهم عن رتبة الخطابِ، وعبّر عما جاءهم بآيات الله تهويلاً للأمر وتنبيهاً على أن تكذيبَ أي آيةٍ كانت من آيات الله تعالى كافٍ في الأظلمية فما ظنُّك بتكذيب القرآن المنطوي على الكل، والمعنى إنكارُ أن يكون أحدٌ أظلمَ ممن فعل ذلك أو مساوياً له وإن لم يكن سبكُ التركيب متعرضاً لإنكار المساواةِ ونفيها، فإذا قيل : مَنْ أكرمُ من فلان أو لا أفضلُ منه فالمرادُ به حتماً بحكم العرف الفاشي والاستعمال المطرد أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل، وقد مر مراراً ﴿ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ أي صرَفَ الناس عنها فجمعَ بين الضلال والإضلالِ ﴿ سَنَجْزِى الذين يَصْدِفُونَ ﴾ الناسَ ﴿ عَنْ آياتنا ﴾ وعيدٌ لهم ببيان جزاء إضلالِهم بحيث يُفهم منه جزاءُ ضلالهم أيضاً، ووضعُ الموصول المُضمر لتحقيق مناطِ الجزاء ﴿ سُوء العذاب ﴾ أي العذابَ السيءَ الشديدَ النكاية ﴿ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ﴾ أي بسبب ما كانوا يفعلون من الصَّدْف والصرْف على التجدد والاستمرارِ، وهذا تصريحٌ بما أَشعرَ به إجراءُ الحُكم على الموصول من عِلّية ما في حيز الصلة له. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾