وقال الآلوسى :
﴿ أَوْ تَقُولُواْ ﴾ عطف على ﴿ تَقُولُواْ ﴾ [ الأنعام : ١٥٦ ].
وقرىء كلاهما بالياء على الالتفات من خطاب ﴿ فاتبعوه واتقوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٥ ] ويكون الخطاب الآتي بعد التفاتاً أيضاً ولا يخفى موقعه.
قال القطب : إنه تعالى خاطبهم أولاً بما خاطبهم ثم لما وصل إلى حكاية أقوالهم الرديئة أعرض عنهم وجرى على الغيبة كأنهم غائبون ثم لما أراد سبحانه توبيخهم بعد خاطبهم فهو التفات في غاية الحسن.
﴿ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب ﴾ كما أنزل عليهم ﴿ لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ ﴾ أي الحق الذي هو المقصد الأقصى أو إلى ما فيه من الأحكام والشرائع لأنا أجود أذهاناً وأثقب فهماً ﴿ فَقَدْ جَاءكُمُ ﴾ متعلق بمحذوف ينبىء عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أو شرط له أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم الخ، أو إن صدقتم فيما ( كنتم ) تعدون من أنفسكم على تقدير نزول الكتاب عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم ﴿ بَيّنَةً ﴾ حجة جليلة الشأن واضحة تعرفونها لظهورها وكونها بلسانكم كائنة ﴿ مّن رَّبّكُمْ ﴾ على أن الجار متعلق بمحذوف وقع صفة ﴿ بَيّنَةً ﴾ ويصح تعلقه بجاءكم.
وأياً ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافي مع الإشارة إلى شرفها الذاتي، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من مزيد التأكيد لإيجاب الاتباع.
﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ عطف على ﴿ بَيّنَةً ﴾ وتنوينهما كتنوينهما للتفخيم، والمراد بجميع ذلك القرآن، وعبر عنه بالبينة أولاً إذاناً بكمال تمكنهم من دراسته وبالهدى والرحمة ثانياً تنبيهاً على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم بل هو عين الهداية والرحمة.
وفي "التفسير الكبير" "فإن قيل البينة والهدى واحد فما الفائدة في التكرير؟ قلنا : القرآن بينة فيمايعلم سمعاً وهو هدى فيما يعلم سمعاً وعقلاً فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف" ولا يخفى ما فيه.
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بآيات الله ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجيء القرآن الموصوف بما تقدم موجب لغاية أظلمية من يكذبه، والمراد من الموصول أولئك المخاطبون، ووضع موضع ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصاً على اتصافهم بما في حيز الصلة وإشعاراً بعلة الحكم وإسقاطاً لهم عن رتبة الخطاب، وعبر عما جاءهم بآيات الله تعالى تهويلاً للأمر.