واعلم أنه تعالى لما بين أنه إنما أنزل الكتاب إزالة للعذر، وإزاحة للعلة، وبين أنهم لا يؤمنون ألبتة وشرح أحوالاً توجب اليأس عن دخولهم في الإيمان فقال :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة﴾ ونظير هذه الآية قوله في سورة البقرة :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] ومعنى ينظرون ينتظرون وهل استفهام معناه النفي، وتقدير الآية : أنهم لا يؤمنون بك إلا إذا جاءهم أحد هذه الأمور الثلاثة، وهي مجيء الملائكة، أو مجيء الرب، أو مجيء الآيات القاهرة من الرب.
فإن قيل : قوله :﴿أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ﴾ هل يدل على جواز المجيء والغيبة على الله.
قلنا : الجواب عنه من وجوه : الأول : أن هذا حكاية عنهم، وهم كانوا كفاراً، واعتقاد الكافر ليس بحجة، والثاني : أن هذا مجاز.
ونظيره قوله تعالى :﴿فَأَتَى الله بنيانهم﴾ [ النحل : ٢٦ ] وقوله :﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ] والثالث : قيام الدلائل القاطعة على أن المجيء والغيبة على الله تعالى محال، وأقربها قول الخليل صوات الله عليه في الرد على عبدة الكواكب ﴿لا أُحِبُّ الأفلين﴾ [ الأنعام : ٧٦ ].
فإن قيل : قوله :﴿أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ﴾ لا يمكن حمله على إثبات أثر من آثار قدرته، لأن على هذا التقدير : يصير هذا عين قوله :﴿أو يأتي ربك﴾ فوجب حمله على أن المراد منه إتيان الرب.
قلنا : الجواب المعتمد أن هذا حكاية مذهب الكفار، فلا يكون حجة، وقيل : يأتي ربك بالعذاب، أو يأتي بعض آيات ربك وهو المعجزات القاهرة.


الصفحة التالية