هذا أمر من الله عز وجل نبيه عليه السلام بالإعلان بشريعته والانتباه من سواها من أضاليلهم، ووصف الشريعة بماهي عليه من الحسن والفضل والاستقامة، و﴿ هداني ﴾ معناه أرشدني بخلق الهدى في قلبي. والرب المالك، ولفظه مصدر من قولك ربه يربه، وإنما هو مثل عدل ورضى في أنه مصدر وصف به. وأصله ذو الرب ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فقيل الرب. و" الصراط " الطريق و﴿ ديناً ﴾ منصوب ب ﴿ هداني ﴾ المقدر الذي يدل عليه ﴿ هداني ﴾ الأول، وهذا الضمير إنما يصل وحده دون أن يحتاج إلى إضمار إلى. إذ هدى يصل بنفسه إلى مفعوله الثاني وبحرف الجر، فهو فعل متردد وقيل نصب ﴿ ديناً ﴾ فعل مضمر تقديره عرفني ديناً. وقيل تقديره فاتبعوا ديناً فالزموا ديناً، وقيل نصب على البدل من ﴿ صراط ﴾ على الموضع، أن تقديره هداني ربي صراطاً مستقيماً، و﴿ قيماً ﴾ نعت للدين، ومعناه مستقيماً معتدلاً. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " قَيِّماً " بفتح القاف وكسر الياء وشدها. وأصله قيوم عللت كتعليل سيد وميت، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي " قِيَماً " بكسر القاف وفتح الياء على وزن فعل، وكأن الأصل أن يجيء فيه قوماً كعوض وحول إلا أنه شذ كشذوذ قولهم جياد في جمع جواد وثيرة في جمع ثور، و﴿ ملة ﴾ بدل من الدين، والملة الشريعة و﴿ حنيفاً ﴾ نصب على الحال من ﴿ إبراهيم ﴾، والحنف في كلام العرب الميل فقد يكون الميل إلى فساد كحنف الرجل.
وكقوله ﴿ فمن خاف من موص حنفاً ﴾ [ البقرة : ١٨٢ ] على قراءة من قرأ بالحاء غير المنقوطة ونحو ذلك. وقد يكون الحنف إلى الصلاح كقوله عليه السلام :" الحنيفية السمحة " و" الدين الحنيف " ونحوه، وقال ابن قتيبة : الحنف الاستقامة وإنما سمي الأحنف في الرجل على جهة التفاؤل له. ﴿ وما كان من المشركين ﴾ نفي للنقيصة عنه صلى الله عليه وسلم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :