والمناسبة بين الهداية وبين الصّراط تامّة، لأنّ حقيقة الهداية التّعريف بالطّريق، يقال : هو هاد خِرّيت، وحقيقة الصّراط الطّريق الواسعة.
وقد صحّ أن تستعار الهداية للإرشاد والتّعليم، والصّراطُ للدين القويم، فكان تشبيهاً مركّباً قابلاً للتفكيك وهو أكمل أحوال التّمثيليّة.
ووُصف الصّراط بالمستقيم، أي الذي لا خطَأ فيه ولا فساد، وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ]، والمقصود إتمام هيئة التّشبيه بأنَّه دين لا يتطرّق متّبعه شكّ في نفعه كما لا يتردّد سالك الطّريق الواسعة التي لا انعطاف فيها ولا يتحيَّر في أمره.
وفي قوله :﴿ ديناً ﴾ تجريد للاستعارة مؤذن بالمشبّه، وانتصب على الحال من :﴿ صراط ﴾ لأنَّه نكرة موصوفة.
والدّين تقدّم عند قوله تعالى :﴿ إن الدِّين عند الله الإسلام ﴾ [ آل عمران : ١٩ ] وهو السّيرة التي يتّبعها النّاس.
والقَيِّم بفتح القاف وتشديد الياء كما قرأه نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب : وصف مبالغة قَائم بمعنى معتدل غير معوج، وإطلاق القيام على الاعتدال والاستقامة مجاز، لأنّ المرء إذا قام اعتدلت قامته، فيلزم الاعتدال القيام.
والأحسن أن نجعل القيم للمبالغة في القيام بالأمر، وهو مرادف القيّوم، فيستعار القيام للكفاية بما يحتاج إليه والوفاء بما فيه صلاح المقوّم عليه، فالإسلام قيّم بالأمّة وحاجتها، يقال : فلان قيّم على كذا، بمعنى مدبّر له ومصلح، ومنه وصف الله تعالى بالقيُّوم، وهذا أحسن لأنّ فيه زيادة على مفاد مستقيم الذي أخذ جزءاً من التّمثيليّة، فلا تكون إعادة لبعض التّشبيه.


الصفحة التالية
Icon