وقرأ عاصم، وحمزة، وابن عامر، والكسائي، وخلف :﴿ قيماً ﴾ بكسر القاف وفتح الياء مخفّفة وهو من صيغ مصادر قام، فهو وصف للدّين بمصدر القيام المقصودِ به كفاية المصلحة للمبالغة، وهذه زنة قليلة في المصادر، وقَلْبُ واوه ياء بعد الكسرة على غير الغالب : لأنّ الغالب فيه تصحيح لامِه لأنَّها مفتوحة، فسواء في خفّتِها وقوعها على الواو أو على الياء، مثل عِوَض وحِوَل، وهذَا كشذوذ جياد جمع جواد، وانتصب ﴿ قيماً ﴾ على الوصف ل ﴿ دينا ﴾.
وقوله :﴿ ملة إبراهيم ﴾ حال من :﴿ ديناً ﴾ أو من :﴿ صراط مستقيم ﴾ أو عطفُ بيان على ﴿ ديناً ﴾.
والملّة، الدّين : فهي مرادفة الدين، فالتَّعبير بها هنا للتَّفنّن ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ].
و﴿ ملّة ﴾ فِعْلة بمعنى المفعول، أي المملول، من أمللت الكتاب إذا لقَّنت الكاتب ما يَكتب، وكان حقّها أن لا تقترن بهاء التّأنيث لأنّ زنة ( فِعْل ) بمعنى المفعول تلزم التّذكير، كالذِّبح، إلاّ أنَّهم قرنوها بهاء التّأنيث لما صيّروها اسماً للدّين، ولذلك قال الرّاغب : الملّة كالدّين، ثمّ قال :"والفرق بينها وبين الدّين أنّ الملّة لا تضاف إلاّ إلى النَّبيء الذي تسند إليه نحو ملّة إبراهيم، ملّة آبائي، ولا توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد الأمّة، ولا تستعمل إلاّ في جملة الشّريعة دون آحادها لا يقال الصّلاة ملّة الله" أي ويقال : الصّلاةُ دين الله ذلك أنَّه يراعى في لفظ الملّة أنَّها مملول من الله فهي تضاف للّذي أُمِلَّت عليه.
ومعنى كون الإسلام ملّةَ إبراهيم : أنَّه جاء بالأصول التي هي شريعة إبراهيم وهي : التّوحيد، ومسايرة الفطرة، والشّكر، والسّماحة، وإعلان الحقّ، وقد بيَّنتُ ذلك عند قوله تعالى :﴿ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ﴾ في سورة آل عمران ( ٦٧ ).


الصفحة التالية
Icon