لِكُلِّ مَنْ أَتَى بِالْحَسَنَةِ، وَالْمُضَاعَفَةُ فَوْقَهَا تَخْتَلِفُ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ مِنِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُحْسِنِينَ، فَقَدْ بَذَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَبَذَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نِصْفَ مَا يَمْلِكُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا كَالنِّسْبَةِ بَيْنَ عَطَاءَيْهِمَا. وَالدِّرْهَمُ مِنَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ أَعْظَمُ مِنْ دِينَارِ الْغَنِيِّ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَمَنْ يَبْذُلُ الدِّرْهَمَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ نَفْسُهُ حَزِينَةً عَلَى فَقْدِهِ لَيْسَ كَمَنْ يَبْذُلُهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ مَسْرُورَةً بِالتَّوْفِيقِ لِإِيثَارِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بِهِ عَلَى مَتَاعِ الدُّنْيَا (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى) (٥٧ : ١٠) وَتَفْصِيلُ التَّفَاوُتِ فِيمَا ذَكَرْنَا يَطُولُ، وَفِيمَا أَوْرَدْنَاهُ مَا يُرْشِدُ إِلَى غَيْرِهِ لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ ذِكْرَ الْعَشَرَةِ أَمْثَالٍ يُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ لِيَتَّفِقَ مَعَ الْمُضَاعَفَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا اخْتَرْنَاهُ وَسَنَذْكُرُ بَعْضَهَا.


الصفحة التالية
Icon