(وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) أَيْ وَمَنْ جَاءَ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالصِّفَةِ السَّيِّئَةِ الَّتِي يَطْبَعُهَا فِي نَفْسِهِ الْكُفْرُ وَارْتِكَابُ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، فَلَا يُجْزَى إِلَّا عُقُوبَةَ سَيِّئَةٍ مِثْلِهَا. بِحَسَبِ سُنَنِهِ تَعَالَى فِي تَأْثِيرِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ فِي تَدْسِيَةِ النَّفْسِ وَإِفْسَادِهَا وَتَقْدِيرِهِ الْجَزَاءَ عَلَيْهَا بِالْعَدْلِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : الصِّفَةُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ وَلَمْ نَقُلِ الْفِعْلَةُ، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ أَعْرَاضٌ تَزُولُ وَتَبْقَى آثَارُهَا فِي النَّفْسِ، فَالْجَزَاءُ عَلَيْهَا يَكُونُ بِحَسَبِ تَأْثِيرِهَا فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ وَصْفًا لَهَا لَا يُفَارِقُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ :(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (١٣٩) فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرَهُ السَّابِقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :(وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي أَهْلِ السَّيِّئَاتِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ وُقُوعِ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ مِنْهُمْ، مَعَ مَا وَرَدَ مِنَ الشِّدَّةِ فِي وَصْفِ عَذَابِهِمْ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُهُمْ بِالْجَزَاءِ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ عَقْلًا وَنَقْلًا، وَالْآيَاتُ فِيهِ كَثِيرَهٌ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ :" يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ