والسياق يتخذ من هذا المشهد مناسبة للتعقيب بالإنذار والتذكير، وتحذير الذين يواجهون القرآن بالتكذيب، ويطلبون الخوارق لتصديقه، من سوء المصير:
(ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم، هدى ورحمة لقوم يؤمنون. هل ينظرون إلا تأويله ؟ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت رسل ربنا بالحق. فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ؟ قد خسروا أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون)..
وبعد تلك الرحلة الواسعة الآماد، من المنشأ إلى المعاد، يقف السياق ليعقب عليها، مقرراً "حقيقة الألوهية " و"حقيقة الربوبية " في مشاهد كونية ; تشهد بهذه الحقيقة ; على طريقة القرآن في جعل هذا الكون كله مجالاً تتجلى فيه هذه الحقيقة بآثارها المبدعة، العميقة الإيحاء للقلب البشري حين يستقبلها بالحسالمفتوح والبصيرة المستنيرة. وهدف هذه الرحلة الأساسي في مشاهد الكون وأسراره هو تجلية الحقيقة الاعتقادية الأساسية: وهي أن هذا الكون بجملته يدين بالعبودية لله وحده، فالله هو ربه وحاكمه. فأولى بالإنسان أن لا يكون نشازاً في لحن الوجود المؤمن ; وألا يشذ عن العبودية لرب هذا الكون الذي له الخلق والأمر.. وهو رب العالمين..
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره. ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. ادعوا ربكم تضرعاً وخفية. إنه لا يحب المعتدين. ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين. وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت، فأنزلنا به الماء ; فأخرجنا به من كل الثمرات. كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون. والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون.


الصفحة التالية
Icon