والآن تمضي الرحلة، وتجري القصة، ويبرز الموكب الإيماني الجليل، يهتف بالبشرية الضالة، يذكرها وينذرها، ويحذرها سوء المصير. والبشرية الضالة تلوي وتعاند، وتواجه الدعوة الخيرة بالعناد والتمرد ; ثم بالطغيان والبطش.. ويتولى الله سبحانه المعركة بعد أن يؤدي الرسل واجبهم من التذكير والإنذار، فيقابلوا من قومهم بالتكذيب والإعراض، ثم بالبطش والإيذاء. وبعد أن يفاصلوا قومهم على العقيدة، ويختاروا الله وحده ويدعوا له الأمر كله.
ويعرض السياق قصة نوح، وقصة هود، وقصة صالح وقصة لوط، وقصة شعيب.. مع أقوامهم، وهم يعرضون عليهم حقيقة واحدة لا تتبدل: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).. ويجادلهم قومهم في إفراد الله سبحانه بالألوهية، ويستنكرون أن تكون لله وحده الربوبية. كما يجادلونهم في إرسال الله بشراً من الناس بالرسالة ! ويجادل بعضهم في أن يتعرض الدين لشؤون الحياة الدنيا، ويتحكم في التعاملات المالية والتجارية ! - وذلك كما يحاول اليوم ناس من الجاهلية الحاضرة في هذه القضية بعينها بعد عشرات القرون، ويسمون هذا الجدل الجاهلي القديم تحرراً "وتقدمية " ! - ويعرض السياق مصارع المكذبين في نهاية كل قصة.
ويلحظ المتتبع لسياق القصص كله في السورة أن كل رسول يقول لقومه قولة واحدة: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). ويتقدم لهم بالحقيقة التي استحفظه عليها ربه تقدم الناصح المخلص، المشفق على قومه مما يراه من العاقبة التي تتربص بهم وهم عنها غافلون. ولكنهم لا يقدرون نصح رسولهم لهم ; ولا يتدبرون عاقبة أمرهم، ولا يستشعرون عمق الإخلاص الذي يحمله قلب الرسول، وعمق التجرد من كل مصلحة، وعمق الإحساس بضخامة التبعة..
ويكفي أن نثبت هنا ما ورد عن قصة نوح - أول القصص - وما ورد عن قصة شعيب، آخر هذه الجملة من القصص، التي يقف السياق بعدها للتعقيب:


الصفحة التالية
Icon