أحدها : أن الهلاك والبأس، يقعان معاً، كما تقول : أعطيتني فأحسنت ؛ وليس الإحسان بعد الإِعطاء ولا قبله، وإنما وقعا معاً، قاله الفراء.
والثاني : أن الكون مضمر في الآية، تقديره : أهلكناها، وكان بأسنا قد جاءها، فأُضمر الكون، كما أُضمر في قوله :﴿ واتبعوا ما تتلوا الشياطين ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ] أي : ما كانت الشياطين تتلوه.
وقوله تعالى :﴿ إن يسرق ﴾ [ يوسف : ٧٧ ] أي : إن يكن سرق.
والثالث : أن في الآية تقديماً وتأخيراً، تقديره : وكم من قرية جاءها بأسنا بياتاً، أو هم قائلون، فأهلكناها، كقوله تعالى :﴿ إني متوفيك ورافعك إليَّ ﴾ [ آل عمران : ٥٥ ] أي : رافعك ومتوفيك، ذكرهما ابن الانباري.
قوله تعالى :﴿ أو هم قائلون ﴾ قال الفراء : فيه واو مضمرة ؛ والمعنى : فجاءها بأسنا بياتاً، أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقاً على نسق. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ "كم" للتكثير ؛ كما أن "رُبَّ" للتقليل.
وهي في موضع رفع بالابتداء، و"أهلكنا" الخبر.
أي وكثير من القرى وهي مواضع اجتماع الناس أهلكناها.
ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدّر قبلها ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
ويقوّي الأوّل قوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ ﴾ [ الإسراء : ١٧ ].
ولولا اشتغال "أَهْلَكْنَا" بالضمير لانتصب به موضع "كم".
ويجوز أن يكون "أَهْلَكْنَا" صفة للقرية، و"كم" في المعنى هي القرية ؛ فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم.
يدل على ذلك قوله تعالى :﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ﴾ [ النجم : ٢٦ ] فعاد الضمير على "كم" على المعنى ؛ إذ كانت الملائكة في المعنى.
فلا يصح على هذا التقدير أن يكون "كم" في موضع نصب بإضمار فعل بعدها.
﴿ فَجَآءَهَا بَأْسُنَا ﴾ فيه إشكال للعطف بالفاء.