اختلفوا هل ثَم وزن وميزان حقيقة أم ذلك عبارة عن إظهار العدل التام والقضاء السويّ والحساب المحرّر فذهبت المعتزلة إلى إنكار الميزان وتقدّمهم إلى هذا مجاهد والضحّاك والأعمش وغيرهم، وعبّر بالثقل عن كثرة الحسنات وبالخفة عن قلّتها، وقال جمهور الأمّة بالأول وأنّ الميزان له عمود وكفّتان ولسان وهو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنّة ينظر إليه الخلائق تأكيداً للحجة وإظهاراً للنصفة وقطعاً للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم وتشهد عليهم بها أيديهم وأرجلهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد، وأما الثقل والخفة فمن صفات الأجسام وقد ورد أنّ الموزون هي الصّحائف التي أثبتت فيها الأعمال، فيُحدث الله تعالى فيها ثقلاً وخفةً وما ورد في هيئته وطوله وأحواله لم يصحَّ إسناده وجمعت الموازين باعتبار الموزونات والميزان واحد، هذا قول الجمهور.
وقال الحسن لكل أحد يوم القيامة ميزان على حدة وقد يعبّر عن الحسنات بالموازين فيكون ذلك على حذف مضاف أي من ثقلت كفّه موازينه أي موزوناته فيكون موازين جميع موزون لا جمع ميزان، وكذلك ومن خفّت كفّة حسناته و﴿ الوزن ﴾.
مبتدأ وخبره ظرف الزمان والتقدير والوزن كائن يوم أن نسألهم ونقّص عليهم وهو يوم القيامة و﴿ الحقّ ﴾ صفة للوزون ويجوز أن يكون ﴿ يومئذ ﴾ ظرفاً للوزن معمولاً له و﴿ الحقّ ﴾ خبر ويتعلّق ﴿ بآياتنا ﴾ بقوله ﴿ يظلمون ﴾ لتضمّنه معنى يكذّبون أو لأنها بمعنى يجحدون وجحد تعدّى بالباء قال :﴿ وجحدوا بها ﴾ والظاهر أنّ هذا التقسيم هو بالنسبة للمؤمنين من أطاع ومن عصى وللكفّار فتوزن أعمال الكفار.
وقال قوم : لا ينصب لهم ميزان ولا يحاسبون لقوله ﴿ وقدّمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ﴾ وإنما توزن أعمال المؤمن طائعهم وعاصيهم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon