وقال أبو السعود :
﴿ والوزن ﴾ أي وزنُ الأعمالِ والتمييزُ بين راجحِها وخفيفِها وجيّدِها ورديئها، ورفعُه على الابتداء، وقولُه تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ خبرُه وقوله تعالى :﴿ الحق ﴾ صفتُه، أي والوزنُ الحقُّ ثابتٌ يومَ إذ يكون السؤالُ والقَصّ، وقيل : خبرُ مبتدأ محذوفٍ كأنه قيل : ما ذلك الوزن؟ فقيل : الحقُّ أي العدلُ السويُّ، وقرىء القسطُ واختُلف في كيفية الوزن والجمهورُ على أن صحائفَ الأعمالِ هي التي توزن بميزان له لسانٌ وكِفّتان ينظُر إليه الخلائقُ إظهاراً للمَعْدلة وقطعاً للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتُهم وجوارحُهم ويشهد عليهم الأنبياءُ والملائكةُ والأشهادُ وكما يُثبَتُ في صحائفهم فيقرءونها في موقف الحساب، ويؤيده ما رُوي ( أن الرجلَ يؤتى به إلى الميزان فيُنشر له تسعةٌ وتسعون سجِلاًّ مدى البصر فيخرُج له بطاقةٌ فيها كلمتا الشهادة فتوضَع السجلاتُ في كِفة والبِطاقةُ في كفة فتطيش السجلاتُ وتثقُل البطاقةُ ) وقيل : يوزن الأشخاصُ لما روي عنه عليه الصلاة والسلام :" أنه ليأتي العظيمُ السمينُ يوم القيامة لا يزنُ عند الله جناحَ بعوضة " وقيل : الوزنُ عبارة عن القضاء السويِّ والحُكمُ العادلُ وبه قال مجاهد والأعمش والضحاك واختاره كثيرٌ من المتأخرين بناءً على أن استعمالَ لفظِ الوزنِ في هذا المعنى شائعٌ في اللغة والعُرفِ بطريق الكناية قالوا : إن الميزانَ إنما يُراد به التوصلُ إلى معرفة مقاديرِ الشيءِ، ومقاديرُ أعمالِ العباد لا يمكن إظهارُها بذلك لأنها أعراضٌ قد فَنِيَت وعلى تقدير بقائها لا تَقبل الوزن، وقيل : إن الأعمالَ الظاهرةَ في هذه النشأةِ بصور عرضيةٍ تبرُز في النشأة الآخرة بصور جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحسن والقبحِ حتى إن الذنوبَ والمعاصيَ تتجسم هناك وتتصور بصورة النار، وعلى ذلك حُمل قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين ﴾ وقوله تعالى :{ الذين يَأْكُلُونَ أموال