والثّقل مع تلك الاستعارة هو أيضاً ترشيح لاستعارة الوزن للجزاء، ثمّ الخفّة مستعارة لعدم الأعمال الصّالحة أخذاً بغاية الخفة على وزان عكس الثّقل، وهي أيضاً ترشيح ثان لاستعارة الميزان، والمراد هنا الخفّة الشّديدة وهي انعدام الأعمال الصّالحة لقوله :﴿ بما كانوا بآياتنا يظلمون ﴾.
والفلاَح حُصول الخير وإدراك المطلوب.
والتّعريف في ﴿ المفلحون ﴾ للجنس أو العهد وقد تقدّم في قوله تعالى :﴿ وأولئك هم المفلحون ﴾ في سورة البقرة ( ٥ ).
وما صْدَقُ ( مَن ) واحد لقوله :﴿ موازينه ﴾، وإذ قد كان هذا الواحد غير معيّن، بل هو كلّ من تحقّق فيه مضمون جملة الشّرط، فهو عام صح اعتباره جماعة في الإشارة والضّميرين من قوله :﴿ فأولئك هم المفلحون ﴾.
والإتيان بالإشارة للتّنبيه على أنّهم إنّما حصلوا الفلاَح لأجل ثقل موازينهم، واختير اسم إشارة البعد تنبيهاً على البعد المعنوي الاعتباري.
وضمير الفصل لقصد الانحصار أي هم الذين انحصر فيهم تحقّق المفلحين، أي إن علمتَ جماعة تعرف بالمفلحين فهم هُم.
والخسران حقيقته ضد الرّبح، وهو عدم تحصيل التّاجر على ما يستفضله من بيعه، ويستعار لفقدان نفع ما يرجى منه النّفع، فمعنى ﴿ خسروا أَنفُسَهُم ﴾ فقدوا فوائدها، فإن كلّ أحد يرجو من مواهبه، وهي مجموع نفْسِه، أن تجلب له النّفع وتدفع عنه الضرّ : بالرأي السَّديد، وابتكار العمل المفيد، ونفوس المشركين قد سوّلت لهم أعمالاً كانت سبب خفّة موازين أعمالهم، أي سبب فقد الأعمال الصّالحة منهم، فكانت نفوسهم كرأسسِ مال التّاجر الذي رجا منه زيادة الرّزق فأضاعه كلّه فهو خاسر له، فكذلك هؤلاء خسروا أنفسهم إذ أوقعتهم في العذاب المقيم، وانظر ما تقدّم في قوله تعالى :﴿ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ﴾ في سورة الأنعام ( ٢٠ ).
وقوله تعالى :﴿ فما ربحت تجارتهم ﴾ في سورة البقرة ( ١٦ ).