وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه، بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية، وليس في ذلك حجة على أحد، فهذا إذا لم تقبله عقولهم، فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى جاءت البدع كالليل المظلم وقال كل ما شاء، وتركوا الشرع خلف ظهورهم وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها، ويتحد قبولهم لها، بل كل فريق يدعى على العقل ما يطابق هواه، ويوافق ما يذهب إليه هو أو من هو تابع له، فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم، يعرف هذا كل منصف، ومن أنكره فليصفّ فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب، فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه.
وقد ورد ذكر الوزن والموازين في مواضع من القرآن كقوله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ]، وقوله :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِى الصور فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ]، وقوله :﴿ فَمَن ثَقُلَتْ موازينه فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون وَمَنْ خَفَّتْ موازينه فأُوْلَئِكَ الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خالدون ﴾
[ المؤمنون : ١٠٢، ١٠٣ ]، وقوله :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [ النساء : ٤٠ ]، وقوله :﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ [ القارعة : ٦-٩ ].
والفاء في ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ موازينه ﴾ للتفصيل.
والموازين : جمع ميزان، وأصله موزان قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وثقل الموازين هذا يكون بثقل ما وضع فيها من صحائف الأعمال.
وقيل : إن الموازين جمع موزون، أي فمن رجحت أعماله الموزونة، والأوّل : أولى.