قوله تعالى :﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ﴾ الآية، هذه الآية معناها التنبيه على موضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة، فبدأ بالخلق الذي هو الإيجاد بعد العدم ثم بالتصوير في هذه البنية المخصوصة للبشر، وإلا فلم يعر المخلوق قط من صورة، واضطراب الناس في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا، وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك، فقالت فرقة : المراد بقوله :﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ﴾ آدم بنفسه وإن كان الخطاب لبنيه، وذلك لما كان سبب وجود بنيه بما فعل فيه صح مع تجوز أن يقال إنه فعل في بنيه، وقال مجاهد : المعنى ﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ﴾ في صلب آدم وفي وقت استخراج ذرية آدم من ظهره أمثال الذر في صورة البشر.
قال القاضي أبو محمد : ويترتب في هذين القولين أن تكون ﴿ ثم ﴾ على بابها في الترتيب والمهلة، وقال عكرمة والأعمش : المراد خلقناكم في ظهور الآباء وصورناكم في بطون الأمهات. وقال ابن عباس والربيع بن أنس : أما ﴿ خلقناكم ﴾ فآدم وأما ﴿ صورناكم ﴾ فذريته في بطون الأمهات، وقاله قتادة والضحاك.
وقال معمر بن راشد من بعض أهل العلم : بل ذلك كله في بطون الأمهات، من خلق وتصوير.
قال القاضي أبو محمد : وقالت هذه الفرقة إن ﴿ ثم ﴾ لترتيب الأخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجمل في أنفسها. وقال الأخفش ﴿ ثم ﴾ في هذه الآية بمعنى الواو، ورد عليه نحويو البصرة.