وقوله تعالى :﴿ فسجدوا ﴾ يعني الملائكة ﴿ إلا إبليس ﴾ يعني : فسجد الملائكة لآدم إلا إبليس ﴿ لم يكن من الساجدين ﴾ يعني له وظاهر الآية يدل على أن إبليس كان من الملائكة لأن الله تعالى استثناه منهم وكان الحسن يقول : إن إبليس لم يكن من الملائكة لأنه خلق من نار والملائكة من نور وإنما استثناه من الملائكة لأنه كان مأموراً بالسجود لآدم مع الملائكة فلما لم يسجد أخبر الله تعالى عنه أنه لم يكن من الساجدين لآدم فلهذا استثناه منهم. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
قال أبو حيان :
﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ﴾
لمّا تقدّم ما يدلّ على تقسيم المكلفين إلى طائع وعاصٍ فالطائع ممتثل ما أمر الله به مجتنب ما نهى عنه والعاصي بضدّه أخذ ينبّه على أنّ هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر الله للملائكة بالسجود فامتثل من امتثل وامتنع من امتنع، وأنه أمر تعالى آدم ونهى فحكى عنه ما يأتي خبره فنبّه أولاً على موضع الاعتبار وإبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود والتصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكّنة من بدائع الصانع والظاهر أنّ الخطاب عام لجميع بني آدم ويكون على قوله ثم قلنا ما أن تكون فيه ثم بمعنى الواو فلم ترتّب ويكون الترتيب بين الخلق والتصوير أو تكون ﴿ ثم ﴾ في ﴿ ثم قلنا ﴾ للترتيب في الإخبار لا في الزمان وهذا أسهل محمل في الآية ومنهم من جعل ﴿ ثم ﴾ للترتيب في الزمان واختلفوا في المخاطب، فقيل المراد به آدم وهو من إطلاق الجمع على الواحد، وقيل المراد به بنوه فعلى القول الأول يكون الخطاب في الجملتين لآدم لأنّ العرب تخاطب العظيم الواحد بخطاب الجمع، وقيل الخطاب في الأولى لآدم وفي الثانية لذرّيته فتحصل المهلة بينهما ﴿ وثم ﴾ الثالثة لترتيب الأخبار، وروى هذا العوفي عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon