وعلى هذين الوجهين يظهر وجه العطف بثم في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ ﴾ وزعم الأخفش أن ﴿ ثُمَّ ﴾ هنا بمعنى الواو، وتعقبه الزجاج بأنه خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه ولا من يوثق بعلمه لأن ثم للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غيره، وإنما المعنى إنا ابتدأنا خلق آدم عليه السلام من تراب ثم صورناه أي هذا أصل خلقكم ثم بعد الفراغ من أصلكم قلنا الخ، وقيل : إن ﴿ ثُمَّ ﴾ لترتيب الأخبار لا للترتيب الزماني حتى يحتاج إلى توجيه، والمعنى خلقناكم يا بني آدم مضغاً غير مصورة ثم صورناكم بشق السمع والبصر وسائر الأعضاء كما روي عن يمان أو خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء كما روي عن عكرمة ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة الخ وإلى هذا ذهب جماعة من النحويين منهم علي بن عيسى والقاضي أبو سعيد السيرافي وغيرهما، وقال الطيبي : يمكن أن تحمل ﴿ ثُمَّ ﴾ على التراخي في الرتبة لأن مقام الامتنان يقتضي أن يقال : إن كون أبيهم مسجوداً للملائكة أرفع درجة من خلقهم وتصويرهم.
وفيه تلويح إلى شرف العلم وتنبيه للمخاطبين على تحصيل ما فاز به أبوهم من تلك الفضيلة، ومن ثم عقب في البقرة الأمر بالسجود مسألة التحدي بالعلم.
وعن ابن عباس ومجاهد والربيع وقتادة والسديأن المعنى خلقنا آدم عليه السلام ثم صورناكم في ظهره ثم قلنا الخ.
وقد تقدم الكلام في المراد بالملائكة المأمورين بالسجود، وكذا الكلام في المراد بالسجود.