﴿ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ قال إبليس مجيباً له ﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ لأنّك ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾ والنار خير وأفضل واصفى وأنور من الطين قال ابن عباس : أوّل مَنْ قاس إبليس. فأخطأ القياس فمَنْ قاس الدين بشيء من رأيه قرنه مع إبليس.
وقال ابن سيرين : أوّل مَنْ [ قاس ] إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس.
وقالت الحكماء : أخطأ عدو الله حين فضّل النار على الطين، لأن الطين أفضل من النار من وجوه :
أحدها : إنّ من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والاناة والحُلم والحياء والصبر، وذلك هو الداعي لآدم في السعادة التي [ سبقت ] له إلى التوبة والتواضع والتضرّع وأدرته المغفرة والاجتباء والهداية والتوبة ومن جوهر النار الخفّة والطيش والحدّة والارتفاع والاضطراب، وذلك الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سيقت له إلى الاستكبار والإصرار فأدركه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاق.
والثاني : أنّ الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفريقها.
والثالث : أن الخبر ناطق بأن تراب الجنّة مسك أذفر ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً وفي النار تراباً.
والرابع : أن النار سبب العذاب وهي عذاب الله لأعدائه وليس التراب سبباً للعذاب.
والخامس : أنّ الطين [ يُسقى ] من النار والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال ابن عطية :
﴿ ما ﴾ استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع، و﴿ لا ﴾ في قوله " أن لا " قيل هي زائدة، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي ك " لا " في قول الشاعر :[ الطويل ]
أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به... نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله


الصفحة التالية
Icon