فظاهر هذا الحديث مخالف للفظ الذي قبله وللآية، فيحمل على أن معنى صورها : هيأها في مدة الأربعين الثانية لقبول الصورة تهيئة قريبة من الفعل، وسهل أولها بالتخمير على هيئة مخصوصة بخلاف ما قبل ذلك، فإنها كانت نطفة فكانت بعيدة عن قبول الصورة، ولذلك اختلفوا في احترامها وهل يباح إفسادها والتسبب في إخراجها، ومعنى " خلق " : قدر أي جعل لكل شيء من ذلك حداً لا يتجاوزه في الجملة، والدليل على هذا المجاز شكه في كونها ذكراً أو أنثى، ولو كان ذلك على ظاهره لما حصل شك في كونها ذكراً أو أنثى إذ آلة الذكر والأنثى من جملة الصورة، وبهذا تلتئم هذه الاية مع قوله تعالى ﴿إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ [ ص : ٧١ ] فهذا خلق بالفعل، والذي في هذه السورة بإيداعه القوة المقربة منه، والمراد من الآية التذكير بالنعم استعطافاً إلى المؤالفة وتفظيعاً بحال المخالفة، أي خسروا أنفسهم والحال أنا أنعمنا عليهم بنعمة التمكين بعد أن أنشأناهم على الصورة المذكورة بعد أن كانوا عدماً وأسجدنا ملائكتنا لأبيهم وطردنا من تكبر عليه طرداً لا طرد مثله، وأبعدناه عن محل قدسنا بعداً لا قرب معه، وأسكنا أباهم الجنة دار رحمتنا وقربنا، فقال تعال مترجماً عن ذلك :﴿ثم قلنا﴾ أي على ما لنا من الاختصاص بالعظمة ﴿للملائكة﴾ أي الموجودين في ذلك الوقت من أهل السماوات والأرض كلهم، بما دلت عليه " ال " سواء قلنا : إنها للاستغراق أو الجنس ﴿اسجدوا لآدم﴾ أي بعد كونه رجلاً قائماً سوياً ذا روح كما هو معروف من التسمية ؛ ثم سبب عن هذا الأمر قوله :﴿فسجدوا﴾ أي كلهم بما دل عليه الاستثناء في قوله :﴿إلا إبليس﴾ ولما كان معنى ذلك لإخراجه ممن سجد أنه لم يسجد، صرح به فقال :﴿لم يكن من الساجدين﴾ أي لآدم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٠ ـ ١٢﴾


الصفحة التالية
Icon